الثلاثاء، 10 يناير 2023

كتاب نعيم الجنة {اللهم إني أسألك الجنة لي ولأهلي جميعا والمؤمنين}

 كتاب نعيم الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم 

{ كل شيء عن الجنة }

 

الطبعة الأولى

1422 هـ – 2001 م

 

إعداد

زهير حسن حميدات 

حقوق الطبع غير محفوظة، يستطيع كل مسلم طباعة هذا الكتاب وتوزيعه، لأن المقصد منه التقرب إلى الله عز وجل، وإرضاء وجهه الكريم. 

فنسأله تعالى أن يتقبل منا ومنكم الصالحات،

 وأن يدخلنا الجنة برحمته، وأن يجعلنا من أهل

 الفردوس الأعلى، إنه على كل شيء قدير.  

الإهداء 

إلى نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم .

وإلى صحابته الكرام رضي الله عنهم .

إلى والديّ الأحباب .

إلى زوجتي الغالية .

إلى الشهداء الأبرار .

إلى الجرحى البواسل .

إلى الأسرى الأحرار .

إلى كل المتمسكين بإسلامهم .

والمتشوقين لجنات ربهم . 

أُهدي هذا الكتاب 

مقـدمـــــة 

الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين، ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها، فلم يتخذوا سواها شغلا، وسهل لهم طرقها، فسلكوا السبل الموصلة إليها، خلقها لهم قبل أن يخلقهم، وأسكنهم إياها قبل أن يوجدهم، وحفها بالمكاره، وأخرجهم إلى دار الامتحان ليبلوهم أيهم أحسن عملا. والصلاة والسلام على النبي الأمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد:

أخي المسلم، أختي المسلمة :

بعد أن انتشرت الفتن في بلاد المسلمين، وأصبح فيها الحق باطلا، والباطل حقا، وبعد أن تردد على مسمعي كثيرا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)، فكرت في عمل أشارك به إخواني، الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، يكون في باب العلم الذي يُنتفع به، فلم  أجد أفضل من مثل هذه المشاركة، التي يمكن أن تصل إلى أماكن بعيدة ونائية، كما أنها قد تبقى لفترة طويلة من الزمن، يستفيد منها الناس حتى بعد وفاتي، فأُؤجر عليها قبل الموت وبعده، إن شاء الله تعالى.

فهذا كتاب نعيم الجنة، أعددته بنفسي، وجعلت منه نموذجا جيدا يمكن أن يُحتذى به، ووفرت فيه ميزة لا توجد في غيره من الكتب، وهي صياغته على شكل قصة، رغم أنه موضوع عقائدي، مستفيدٌ في ذلك من أسلوب الإمام العلامة (أبو الفرج بن الجوزي) رحمه الله، في كتابه (بستان الواعظين ورياض السامعين)، فكان كتابي هذا مشوقا جدا؛ لأنه يصف الجنة وما فيها من ناحية، ولأنني صغته على طريقة السرد القصصي من ناحية أخرى. فنسأل الله لنا ولكم النجاح والفلاح.

أخوكم : زهير حسن حميدات 

تمهيـــد

أما لماذا اخترت هذا الموضوع لأكتب عنه في أول كتاب لي، فذلك لأن الجنة دار غرسها الله بيده، وجعلها مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.

فإن سألتَ عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران. وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن. وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألت عن أشجارها فما فيها من شجرة إلا وساقها من الذهب والفضة، لا من الحطب والخشب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال، ألين من الزبد، وأحلى من العسل. وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.

وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة، في صفاء القوارير. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.

وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تنعم بالطرب لمن يسمعها. وإن سألت عن ظلها ففي ظل الشجرة الواحدة يسير الراكب المجد السريع مائة عام لا يقطعها. وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام. وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة، طولها ستون ميلا. وإن سألت عن علاليها وجوسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق، الذي لا تكاد تناله الأبصار.

وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب. وإن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق، مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات، مزررة بأزرار الذهب. وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر. وإن سألت عن أعمارهم فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام، طولهم ستون ذراعا، وعرضهم سبعة أذرع.

وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين، وأحلى منه سماع الملائكة والنبيين، وأحلى منهما خطاب رب العالمين. وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب مما شاء الله، تسير بهم حيث شاءوا. وإن سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ، وعلى رؤوسهم ملابس التيجان. وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.

وإن سألت عن أزواجك وحبيباتك، فهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت.

إذا قابلتْ حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النورين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يُرى في المرآة التي جلاها صيقلها ، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها، ولا عظمها، ولا حللها. لو اطلعتْ على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولتزخرفت لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم، ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها.

ولا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحبل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلِق ثوب جمالها، ولا يُمَل طيب وصالها، قد قصرت على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها، فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو منها في غاية الأماني، لم يطمثها قبله إنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه سروراً، وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نوراً.

فإن سألت عن السن فأتراب في أعدل من الشباب. وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر. وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن جور. وإن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان. وإن سألت عن النهود فمن الكواعب، ونهودهن كألطف الرمان. وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان. وإن سألت عن حسن الْخُلُق فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمعن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر. وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك، فهن العُرب المحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج.

فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها، وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرته فيا لذة المعانقة والمخاصرة، وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت فيا حبَّذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلت فلا شيء أشهى إليه من التقبيل، وإن نُوْلَتْ فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل.

أما يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، فإنه اليوم الأعظم والأجمل، ففيه ترى الرب الرحيم، كما ترى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر. فالجنة، وربِّ الكعبة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آيــات في الجنـة

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم

وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72). التوبة

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)  وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)     لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48). الحجر

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُـــوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَـــاتِ جَنَّــاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23). الحج

إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ(57)سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58). يس

وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74). الزمر

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55). الدخان

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ (15). محمد

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55). القمر

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَى أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ       (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78). الرحمن

وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)                    لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلاً سَلَامًا سَلَامًا (26) وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36) عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الْآخِرِينَ (40). الواقعة

وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا(15) قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا(16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا(19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا(20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا(21). الإنسان

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا(31) حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33) وَكَأْسًا دِهَاقًا (34) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36). النبأ

وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25). البقرة

قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا(15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولاً (16). الفرقان

وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الْأَبْوَابُ  (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54). ص

وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35). ق

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10). يونس

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أبواب الجنــة

 

عندما يفزع الناس يوم القيامة يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأخر ساجدا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يُقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: يا رب أمتي، يا رب أمتي، يا رب أمتي، فيقول: يا محمد، أَدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر، وكما بين مكة وبصرى. وإن للجنة لثمانية أبواب، ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما، ومنها باب تدخل منه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول.

وهي موزعة: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، وقد يدعى المؤمن من هذه الأبواب كلها. وعزةِ الله وجلاله، لو كان العبد المؤمن في الدنيا أقطع اليدين والرجلين، وسُحِبَ على وجهه منذ يوم خلقه الله إلى يوم القيامة، ووقف على أحد هذه الأبواب، لكان كأنه ما رأى بؤسا قط.

ولما كانت الجنات درجات، بعضها فوق بعض، كانت أبوابها كذلك، وباب الجنة العالية فوق باب الجنة التي تحتها، وكلما علت الجنة اتسعت، فعاليها أوسع مما دونه، وسعة الباب بحسب سعة الجنة، فمنها ما بين مصراعيه مسيرة أربعين عاما، ومنها ما بين مصراعيه مسيرة سبعين عاما، ومنها ما بين مصراعيه كما بين مكة وهجر، ومنها ما بين مصراعيه كما بين مكة وبصرى، ومنها ما عرضه مسيرة الراكب المجود ثلاثا. يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، تتكلم وتُكَلَّم، وتَفهم ما يقال لها، انفتحي انغلقي.

 

أول من يدخل الجنـة

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { أنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر، وآتي باب الجنة فآخذ بحلقتها، فيقولون: من هذا؟ فأقول: أنا محمد. فيفتحون لي، فأدخل، فأجد الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يُسمع منك، وقل يُقبل منك، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب، فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدتَ في قلبه مثقال حبة من شعير من الإيمان فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدتُ في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة. فأجد الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يُسمع منك، وقل يُقبل منك، واشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي يا رب، فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدتَ في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان فأدخله الجنة، فأذهب، فمن وجدتُ في قلبه مثقال ذلك أدخلتهم الجنة.

وفرغ من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي في النار مع أهل النار. فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله ولا تشركون به شيئا. فيقول الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار. فيرسل إليهم، فيخرجون من النار وقد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبة في غثاء السيل، ويكتب بين أعينهم (هؤلاء عتقاء الله)، فيذهب بهم فيدخلون الجنة. فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون. فيقول الجبار: بل هؤلاء عتقاء الجبار}. وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا، مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب. وأعطاني الكوثر، فهو نهر من الجنة، يسيل في حوضي، وأعطاني أني أول الأنبياء أدخل الجنة.

وأبو بكر أول من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمملوك إذا أطاع الله وأطاع سيده، والفقراء والمهاجرون الذين تُسد بهم الثغور، ويُتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم؛ وذلك خمس مائة عام. فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم! قال: إنهم كانوا عبادا يعبدوني لا يشركون بي شيئا، وتُسد بهم الثغور، ويُتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء. فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب، ويقولون: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار).

وإن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، يتلقى كل واحد منهم سبعون ألف خادم كأنهم اللؤلؤ، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعا في السماء، لكل رجل منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب.

والذي نفس محمد بيده، إنه ليرجوا أن تكون أمته نصف أهل الجنة، وذاك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما نحن من أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر.

 

عدد الجنات وأسماؤها

 

لما خلق الله عز وجل الجنات يوم خلقها وفضل بعضها على بعض، جعلها سبع جنات، دار الخلد، ودار السلام، وجنة عدن، وهي قصبة الجنة، وهي مشرفة على الجنان كلها، وهي دار الرحمن تبارك وتعالى، ليس كمثله شيء ، ولا يشبه شيء، ولباب جنات عدن مصراعان: من زمرد وزبرجد من نور، كما بين المشرق والمغرب، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم، سبع جنات خلقها الله عز وجل من النور كلها، مدائنها وقصورها، وبيوتها وشُرَفِها، وأبوابها ودرجها، وأعلاها وأسفلها، وآنيتها وحليِّها، وجميع أصناف ما فيها من الثمار المتدلية، والأنهار المطرزة بألوان الأشربة، والخيام المشرفة، والأشجار الناضرة بألوان الفاكهة، والرياحين العبقة، والأزهار الزاهرة، والمنازل البهية.

 

صفة أهل الجنـة

 

فيدخلها أهل الجنة، جردا مردا مكحلين، أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين، عليهم التيجان، وإن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، ولو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا، لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض، ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا سواره، لطمس ضوؤُه ضوءَ الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم.

وإذا فتحت الجنة أبوابها دخلت أول زمرة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، يسبحون الله بكرة وعشيا، لا يسقمون فيها ولا يموتون، ولا ينزفون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمنون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، آنيتهم من الذهب والفضة، وأمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوّة، ورشحهم المسك، أزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، ستون ذراعاً في السماء، وبجمال يوسف، وقلب أيوب، وعُمْر عيسى، وخُلُق محمد، عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

لكل واحد منهم زوجتان من الحور العين، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما، كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.

 

درجات أهل الجنـة

 

ويصعد في درجاتها، وفي الجنة مائة درجة، أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله، بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، وما بين كل درجتين مائة عام، لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن لوسعتهم، أفضلها الفردوس؛ فهي وسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن عز وجل، ومنه تفجر أنهار الجنة. وأعلاها الوسيلة، فإنها درجة في أعلى الجنة، لا ينالها إلا رجل واحد، نرجو أن يكون نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو ذاك الرجل.

وأدنى درجات الجنة من له من الجنة مسيرة خمسمائة عام، ويزوج خمسمائة حوراء، وأربعة آلاف بكر، وثمانية آلاف بيت، وإنه ليعانق الزوجة عُمْر الدنيا فلا يتأخر واحد منها عن صاحبه، وإنه لتوضع المائدة بين يديه فلا ينقضي شبعه عُمْر الدنيا، وإنه ليوضع الإناء على فيه فلا ينقضي ريه عُمْر الدنيا، وإنه ليأتيه ملك بين اصبعيه مائة حلة، تحية من ربه تبارك وتعالى، فيلقيها على بدنه، فيقول العبد: الحمد لله، وتبارك ربي وتعالى، فما عجبت كإعجابي بهذه الهدية. فيقول الملَك: أعجبتْك؟ فيقول: نعم، فيبادر الملَك أدنى شجرة من جنة الخلد، فيقول: أنا رسول ربكِ إليكِ، تكوني لولي الله ما أحب، فتتلون له على ما يشتهي.

ويؤتى بقارئ القرآن، فيعطى الملْك بيمينه، والخلْد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويُكسى والداه حلتين، لا يقوم لهما الدنيا، فيقولان: بم كُسينا هذا؟ فيُقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ أو يرتل.

وإن الرجل من أهل عليين ليشرف على أهل الجنة، فتضيء الجنة لوجهه، كأنها كوكب دري، وإن من تحتهم يراهم كما يرى النجم الطالع في أفق السماء.

وفي الجنة ملوك، ومَلِكُها رجل ضعيف مستضعف، ذو طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره. يشمون رائحة الجنة، حتى قبل دخولها، كلٌ حسب درجته، فمنهم من يشم رائحتها من مسافة ألف عام، ومنهم من يشم رائحتها من مسافة خمسمائة عام، ومن مسافة مائة عام، ومن مسافة سبعين عاما، ومن مسافة أربعين عاما، كل حسب عمله.

 

الشـهــــــداء

 

وفيها الشهداء، وهم أربعة: رجل مؤمن جيد الإيمان، لقي العدو فصدق الله فقُتل، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه حتى سقطت قلنسوته. والثاني رجل مؤمن، لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح، جاءه سهم غرب فقتله، فذاك في الدرجة الثانية. والثالث رجل مؤمن، خلط عملا صالحا وآخر سيئا، لقي العدو فصدق الله عز وجل حتى قُتل، فذاك في الدرجة الثالثة. والرابع رجل مؤمن، أسرف على نفسه إسرافا كثيرا، لقي العدو فصدق الله حتى قُتل، فذاك في الدرجة الرابعة.

والقتلى ثلاثة: مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، إذا لقي العدو قاتل حتى يُقتل، فذلك الشهيد الممتحن، في خيمة الله تحت عرشه، لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة. ومؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا، جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، إذا لقي العدو قاتل حتى قُتل، ذاك فيه ممصمصة، محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء للخطايا، ويدخل الجنة من أي أبواب الجنة شاء. ومنافق جاهد بنفسه وماله، فإذا لقي العدو قاتل حتى قُتل، فذاك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق.

والشهداء على بارق نهر بباب الجنة، في قبة خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا، أرواحهم في طائر خضر تعلق من ثمر الجنة، أو نسمة تعلق في ثمر الجنة أو شجرها، قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا، بل أحياء عند ربهم يرزقون)، أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع إليهم ربك اطلاعة، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ قالوا: ربنا وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا، ثم اطلع إليهم الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئا فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لم يتركوا قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا، فنقتل في سبيلك مرة أخرى.

ويؤتى بالشهيد من أهل الجنة، فيقول له الله عز وجل: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب خير منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا، فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة، وما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء، غير الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة.

وللشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.

وعسقلان أحد العروسين، يُبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم، ويُبعث منها خمسون ألفا شهداء، وفودا إلى الله عز وجل، وبها صفوف الشهداء، رؤوسهم مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دما، يقولون: ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك إنك لا تخلف الميعاد، فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منها نُقِيّاً بِيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا.

لِمَ لا، ونحن نعلم أن من قاتل في سبيل الله عز وجل فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل من عند نفسه صادقا ثم مات أو قتل فله أجر شهيد، ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نُكِبَ نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها كالزعفران، وريحها كالمسك، ومن جرح جرحا في سبيل الله فعليه طابع الشهداء.

وهم الذين قصدهم الله عز وجل في قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله)، فهم الذين شاء الله ألا يُصعقوا، حيث يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت، أزمتها الدر الأبيض، برحال الذهب، أعناقها السندس والإستبرق، ونمارقها ألين من الحرير، مد خطاها مد أبصار الرجال، يسيرون في الجنة على خيول، يقولون عند طول النزهة: انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه، فيضحك الله إليهم، وإذا ضحك الله إلى عبد في موطن فلا حساب عليه.

 

غـرف الجـنـــة

 

وإن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق، من المشرق أو المغرب، لتفاضل ما بينهم، وإن في الجنة لغرفا يرى بطونها من ظهورها، وظهورها من بطونها.

وإن المتحابين في الله في الدنيا هم في الجنة على عمود من ياقوتة حمراء، في رأس العمود سبعون ألف غرفة، يشرفون على أهل الجنة، إذا اطلع أحدهم ملأ حسنه بيوت أهل الجنة نورا، كما تملأ الشمس بيوت أهل الدنيا، فيقول أهل الجنة: اخرجوا بنا ننظر إلى المتحابين في الله، فيخرجون، فينظرون في وجوههم مثل القمر ليلة البدر، عليهم ثياب خضر، مكتوب في جباههم بالنور: هؤلاء المتحابون في الله.

 

خيـــام الجنـــة

 

ويسكنون في خيمة الجنة، وهي من لؤلؤة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، ولها سبعون بابا، كلها من درة، طولها في السماء ستون ميلا، وعرضها ستون ميلا، في كل زاوية منها أهلون، حور مقصورات في الخيام، ما يرون الآخرين، ولا يرى بعضهم بعضا، يطوف عليهم المؤمنون، ويتكئون فيها على سرر مصفوفة، بعضها إلى جانب بعض، وعلى سرر موضونة، متكئين عليها متقابلين.

ويذهبون إلى خيراتهم، ولكل مسلم في الجنة خَيْرَة، ولكل خَيرة خيمة، ولكل خيمة أربعة أبواب، يدخل عليها كل يوم من كل باب تحفة وهدية وكرامة، لم تكن قبل ذلك، لا مزجات ولا زفرات، ولا بخرات ولا طماحات، حور عين، كأنهن بيض مكنون.

 

 

 

 

أنهــار الجنــــة

 

وتأتي -يا عبد الله- أنهار الجنة وبحارها، فترى بحر الماء، وبحر العسل، وبحر اللبن، وبحر الخمر، فتشرب منها، وتنعم بها. ثم تشقق الأنهار، سيحان وجيحان، والفرات والنيل، كل من أنهار الجنة، وهذه الأنهار تشخب من جنة عدن، ثم تصدع بعد ذلك أنهارا، فتتمتع بمناظرها الخلابة، وتشرب من مائها العذب.

وتذهب إلى رياض الجنة، وفي رياضها نهر من أنهارها، هو أصل أنهار الجنة كلها، أظهره الله عز وجل حيث ما أراد. وفيها نهر النيل، وهو نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة، وهو نهر اللبن في الجنة، والفرات، وهو نهر الخمر في الجنة، وسيحان وجيحان، وهما نهرا الماء في الجنة، تطوف عليها واحدا واحدا، فتُحملق بعينيك في جمالها، وتتعجب من لذة مذاقها، وكأنك في حلم. ثم تأتي نهرا يقال له "البيدخ"، عليه قباب من ياقوت، تحته حور ناشئات، تنطلق إليه، فتتصفح تلك الجواري، فإذا أُعجبتَ بجارية منها تمس معصمها فتتبعك.

 

نهر الكوثر

 

وتأتي إلى نهر الكوثر، وهو نهر في وسط الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب من ريح المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشد بياضا من الثلج واللبن. والذي نفسي بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في ليلة مظلمة مصحية، من شرب منها شربة لم يظمأ آخر ما عليه. عرضه مثل طوله، كما بين عمان إلى أيلة، أو كما بين الكوفة إلى الحجر الأسود، أو كما بين أيلة إلى صنعاء. فيه ميزابان ينثعبان من الجنة، أحدهما من ورق، والآخر من ذهب، من شرب منه لم يظمأ حتى يدخل الجنة، فيه أباريق عدد نجوم السماء، حافتاه قباب الدر المجوف، وقباب اللؤلؤ والذهب، طينه مسك أذفر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، مجراه على جنادل الدر والياقوت واللؤلؤ، حاله المسك، ورضراضه التوم، نبته قضبان الذهب، ثمره ألوان الجوهر، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، إذا شربتَ منه مشربا لم تظمأ بعده أبدا.

 

شجر الجنـة وثمارهـا

 

وتسير بين أشجار الجنة الكثيرة، وثمارها الوافرة، فترى سدرة المنتهى، وهي شجرة يسير الراكب الجواد المضمّر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها، نضد الله شوكها، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، وإنها لتنبت ثمرا، تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا من طعام، ما فيها لون يشبه الآخر، وفيها فراش الذهب، كأن ثمارها القلال.

وترى شجرة أخرى على ساق، قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام، يخرج إليها أهل الجنة وأهل الغرف وغيرهم، فيتحدثون في ظلها، فيشتهي بعضهم ويَذْكر لَهْوَ الدنيا، فيُرسل الله ريحا من الجنة، فتحرك تلك الشجرة بكل لَهْوٍ كان في الدنيا. وتمر على شجرة جذوعها من ذهب، وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، فتهب لها ريح فتصطفق، فما سمع السامعون بصوت ألذ منه.

وتصل إلى شجرة يخرج من أعلاها حلل، ومن أسفلها خيل من ذهب، مسرجة ملجمة من در وياقوت، لا تروث ولا تبول، لها أجنحة، خطوها مد بصرها، فتركبها، فتطير بك حيث تشاء، فيقول الذين أسفل منك درجة: يا رب، بم بلغ عبادك هذه الكرامة؟ فيُقال لهم: كانوا يُصلّون في الليل وكنتم تنامون، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون، وكانوا يُنفقون وكنتم تبخلون، وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون.

وترى عنب الجنة، عظم العنقود منها مسيرة شهر للغراب الأبقع، الذي لا يقع ولا ينثني ولا يفتر، وهو كما بين صنعاء وعمّان، الحبة فيه بحجم جلد تيس كبير، وهي كفيلة بأن تشبع عشيرة بأكملها. وتتبصر في النخل، وجذوع نخل الجنة من زمرد أخضر، وكربها ذهب أحمر، وسعفها كسوة لأهل الجنة، منها مقطعاتهم وحللهم، وثمرها أمثال القلال والدِّلاء، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وألين من الزبد، ليس فيها عجم، وإن طول الثمرة من ثمارها اثنا عشر ذراعاً.

وتلذ بالنظر إلى رمان الجنة، فتأتيه، والرمانة من رمان الجنة يجتمع حولها بشر كثير، يأكلون منها، فإن جرى على ذكر أحدهم شيء يريده وجده في موضع يده حيث يأكل. وما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب، وأصولها اللؤلؤ والذهب، وأعلاه الثمر، وإن أهل الجنة ليأكلون من ثمار الجنة قياماً وقعوداً ومضجعين، متى شاءوا، ومن أي شجرة أرادوا، فثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة.

 

شجرة طوبى

 

وبينما أنت بين أشجارها، تنتقل من شجرة إلى شجرة، ولا تكاد تصدق ما تراه عيناك؛ لشدة جمالها، لا تأتى شجرة إلا وتأكل من ثمارها، وتتمتع بجمالها، وتجلس في ظلها، وبينما أنت تمشي بينها، وتسير تحت أغصانها، إذا بك أمام شجرةٍ كثيراً ما سمعتَ عنها في الدنيا، فاشتد شوقك لها؛ إنها شجرة طوبى، وهي شجرة في الجنة، تشبه شجرة بالشام تُدعى الجوزة، تَنْبُتُ على ساق واحد، وينفرش أعلاها، عظم أصلها لو ارتحلت جذعة من الإبل ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما، ولو يسير الراكب في ظلها مائة عام لم يقطعها. بطحاؤها ياقوت أحمر، وزمرد أخضر، وترابها مسك أبيض، ووحلها عنبر أشهب، وكثبانها كافور أصفر، وبسرها زمرد أخضر، وثمرها حلل صفر، وسقيها وصمغها زنجبيل وعسل، وعبقها زعفران مبهج، وورقها برود أخضر، وزهرها رياض صفر، وأقتابها سندس وإستبرق، وحشيشها زعفران، والألنجوج يتأجج من غير وقود، يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والمعين والرحيق، وظلها مجالس أهل الجنة، مكان يألفونه، ومتحدث يجمعهم.

ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها، وما من أحد يدخل الجنة إلا انْطُلِقَ به إلى طوبى، فتَفتح له أكمامها، فيأخذ من أي ذلك شاء: إن شاء أبيض، وإن شاء أحمر، وإن شاء أخضر، وإن شاء أصفر، وإن شاء أسود، مثل شقائق النعمان، وأرق وأحسن.

 

سدرة المنتهى

 

وكذلك سدرة المنتهى، وهي شجرة في الجنة، فيها ألوان لا ندري ما هي، وفيها حبايل اللؤلؤ، ترابها المسك، نبقها مثل الجرار، ومثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، يغشاها من أمر الله ما يغشاها، فتتحول إلى ياقوت أو زمرد أو نحو ذلك، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، الباطنان في الجنة، والظاهران النيل والفرات.

 

 

 

 

صـفـــة الجـنـــة

 

فالجنة -وربِّ الكعبة- نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة كثيرة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام أبد في حبرة ونضرة، في دور عالية سليمة بهية. بناؤها لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من دخلها ينعم لا يبأس، ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه.

وهي دار غرسها الله بيده، وجعلها مقرا لأحبابه، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم، وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.

فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران. وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن. وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب. وإن سألت عن أشجارها فما فيها من شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة، لا من الحطب والخشب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال، ألين من الزبد، وأحلى من العسل. وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.

وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى. وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم فآنية الذهب والفضة، في صفاء القوارير. وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام.

وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تنعم بالطرب لمن يسمعها. وإن سألت عن ظلها ففي ظل الشجرة الواحدة يسير الراكب المجد السريع مائة عام لا يقطعها. وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة ألفي عام. وإن سألت عن خيامها وقبابها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة، طولها ستون ميلا. وإن سألت عن علاليها وجوسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية، تجري من تحتها الأنهار. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق، الذي لا تكاد تناله الأبصار.

وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب. وإن سألت عن فرشها فبطائنها من إستبرق، مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات، مزررة بأزرار الذهب. وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر. وإن سألت عن أعمارهم فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام. وإن سألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين، وأحلى منه سماع الملائكة والنبيين، وأحلى منهما خطاب رب العالمين. وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب مما شاء الله، تسير بهم حيث شاءوا. وإن سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ، وعلى رؤوسهم ملابس التيجان. وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون.

أرضها بيضاء، وتربتها درمكة بيضاء، مسك خالص، عرصتها صخور الكافور، وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل، فيها أنهار مطردة، فيجتمع فيها أهلها، أدناهم وآخرهم، فيتعارفون، فيبعث الله ريح الرحمة، فتهيج عليهم ريح المسك، وإنها لتُشم من مسيرة مائة عام، فترجع يا أخي إلى زوجتك وقد ازددتَ حسنا وطيبا، فتقول لك: لقد خرجتَ من عندي وأنا بك معجبة، وأنا بك الآن أشد إعجابا.

وبينما المؤمنون ذات يوم يتحدثون في ظل شجرة طوبى إذ جاءتهم الملائكة بنجائب مزمومة بسلاسل من ذهب، كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا، وبرها خز أحمر، وعبقري أبيض، مختلطان، الحمرة بالبياض، والبياض بالحمرة، لم ينظر الناظرون إلى مثله حسنا وبهاء، ذللا من غير محنة، نجب من غير رياضة، رحالها من الياقوت الأخضر، ملبسة بالعبقري والأرجوان، ولجمها ذهب، وكسوتها سندس وإستبرق، فأناخوا إليهم تلك الرواحل، وحيوهم بالسلام من عند الرب السلام، وقالوا لهم: أجيبوا ربكم جل جلاله، فإنه يستزيركم فزوروه، وليسلم عليكم وتسلموا عليه، وينظر إليكم وتنظروا إليه، ويكلمكم وتكلموه، ويحييكم وتحيوه، ويزيدكم من فضله، فإنه ذو الرحمة الواسعة، وذو فضل عظيم.

فننظر إليه وينظر إلينا، لا نضار في رؤيته، فيأخذ ربُّنا عز وجل بيده غَرفة من الماء، فينضح وجوهنا بها، وما تخطئ وجه أحدنا منها قطرة، فتدع وجوهنا مثل الريطة البيضاء، فنطلع على حوض الرسول صلى الله عليه وسلم، وما يبسط واحد منا يده إلا وضع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى. وتُحبس الشمس والقمر، ولا نرى منهما واحدا، فنبصر بمثل بصرنا في الدنيا، وذلك قبل طلوع الشمس، في يوم أشرقت الأرض.

ونطلع في الجنة على بحر اللبن، وبحر العسل، وبحر الخمر، وأنهار من عسل مصفّى، وأنهار من كأس، ما بها من صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، وبفاكهة ما نعلم، وخير من مثله معه. وأزواج مطهرة، صالحات مصلحات، نلذ بهن مثل لذاتنا في الدنيا، ويلذذن بنا. وإن لنا ما بين المشرق والمغرب، نحل منها حيث شئنا.

 

 

 

 

رواحـل الجنــــة

 

فيتحول كل رجل منا على راحلته، ثم يسير بنا صفا واحدا معتدلا، الرجل إلى جنب أخيه عن يمينه، لا يفوت ركبة ناقة ركبة صاحبتها، ولا تعدوا أذن ناقة أذن صاحبتها، نمر بالشجرة من أشجار الجنة فتميل لنا عن طريقنا كراهية أن يُفرق بيننا، فإذا وقفنا بالجبار تبارك وتعالى أسفر لنا عن وجهه الكريم، وتجلى لنا في عظمته العظيمة، فنُسلِّم عليه، فيرحب بنا، وسلامنا وتحيتنا أن نقول: ربنا أنت السلام، ومنك السلام، ولك حق الجلال والإكرام. فيقول لنا الرب جل جلاله: عبادي، عليكم السلام مني، وعليكم رحمتي ومحبتي، مرحبا وأهلا بعبادي، الذين أطاعوني بالغيب، والذين حفظوا وصيتي، ورعوا عهدي، وكانوا مني على كل حال مشفقين. فنقول: وعزتِك وجلالِك، وعظمتِك وعلوِّ مكانك، ما قدرناك حق قدرك، ولا أدينا إليك كل حقك، فأْذَنْ لنا بالسجود لك. فيقول لنا ربنا عز وجل: إني قد رفعت عنكم مؤنة العبادة، فهذا حين أرحت لكم أبدانكم، وهذا حين أفضيتم إلى روحي ورحمتي، وجنتي وكرامتي، ومبلغ الوعد وعدتكم، فاسألوني ما شئتم، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم، ولكن أجزيكم بقدر رحمتي وكرامتي ورأفتي، وعزي وجلالي وعُلوِّ مكاني، وعظمة شأني، فاسألوني ما شئتم. فما نزال في الأماني، حتى أن المقصر في أمنيته يقول: ربنا تنافس أهل الدنيا في دنياهم، وفخر بعضهم إلى بعض، فاجعل حظي من الجنة كل شيء كان فيه أهل الدنيا، من يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها، فإنا رفضناها وزهدنا فيها، وصغرت في أعيننا، تشاغلا بأمرك، وإعظاما لك، وإجلالا وإعزازا.

 

إكـرام الله تعـالى

 

فيقول لنا ربنا: لقد قصرتم في أمنيتكم، ورضيتم بدون حظكم، وبأقل من حقكم، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم حتى تعرفه أنفسكم، وألحقت بكم ما قصرت عنه أمانيكم، فانظروا إلى ما أعددت لكم، وإلى ما لا تبلغه أمانيكم، ولم يخطر على قلوبكم. فنؤتى ذلك، فنقول: ربنا أنت أحق بالأمن والرحمة، ولو وكلتنا إلى أنفسنا وأمانينا لضيّعنا حظنا. وإذا بقباب في الرفيع الأعلى قد نُصبت، وغرف من الدر والمرجان قد رُفعت، أبوابها من ذهب، ومنابرها من نور، وسررها من ياقوت، وفرشها سندس وإستبرق، يفور من أعراصها وأفواهها ماء، نور شعاع الشمس عنده كنور الكوكب الدري، فإذا هم بقصور شامخة في أعلا عليين، من الياقوت، يزهر نورها، ولولا إكرام الله تعالى لعباده لامتنعت الأبصار من شدة صفائها، وعتق جوهرها، فما كان منها أبيض فمن الياقوت الأبيض، مفروشا بالحرير الأبيض، وما كان منها أحمر فمن الياقوت الأحمر، مفروشا بالعبقري الأحمر، وما كان منها أخضر فمن الياقوت الأخضر، مفروشا بالسندس الأخضر، وما كان منها أصفر فمن الياقوت الأصفر، مفروشا بالأرجوان الأصفر. مبوبة بالذهب الأحمر والفضة البيضاء، قواعدها من جوهر، وأركانها من ذهب، وشفوفها قباب من لؤلؤ، وبروجها غرف من مرجان.

وبينما أنت في منزلك، إذ أتاك رسول من الله عز وجل، فقال للآذن: استأذن لرسول الله على ولي الله، فيدخل الآذن، فيقول لك: يا ولي الله، هذا رسول من الله يستأذن عليك، فتقول: ائذن له، فيأذن له، فيدخل عليك، فيضع بين يديك تحفة، فيقول: يا ولي الله، إن ربك يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تأكل من هذه، فتأكل منها، فتجد منها طعم كل ثمرة في الجنة.

 

خيــول الجنــة

 

وبينما أنت كذلك، إذا خيول مقربة من الياقوت الأحمر، مصنوع فيها الروح، بجنبها الولدان المخلدون، وبيد كل وليد حكمة خيل من تلك الخيول، على كل أربعة منها مرتبة من مراتب الجنة كالرحالة، أسفلها سرير من ياقوتة، وعلى كل سرير منها قبة من ذهب مفرغة، في كل قبة منها فِراش من فرش الجنة، ليس في الجنة لون حسن إلا وهو فيها، ولا ريحة طيبة إلا عبق بها، ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من ينظر إليها أنها من دون القبة، يتبين مخها في عظامها كما يتبين السلك الأبيض في الياقوتة الصافية، ثم يأمرك الله عز وجل فتتحول في مركبتك مع صاحبتك، فتعانقك وتقبلك، وتمنيك بكرامة الله عز وجل. والقبة إما لؤلؤة، وإما زمردة، وإما ياقوتة، وإما درة. وإذا في قبة من تلك القصور منابر من نور، عليها ملائكة قعود، ينتظرونكم ليهنئوكم ويحيوكم، فيتحول كل واحد منكم على مركبة تزف تلك الخيول، وبجنبها الولدان المخلدون، تشيعكم الملائكة المقربون، يقطعون بكم رياض الجنة، فلما رُفعتم إلى قصوركم نهضت الملائكة في أعراضكم فاستنزلوكم وصافحوكم، وشبكوا أيديهم في أيديكم، ثم أجلسوكم بينهم، ثم أقبلتم على الضحك والمداعبة حتى علت أصواتكم.

 

مصافحــة الملائـكــة

 

فتقول الملائكة: أما وعزة ربنا وجلاله ما ضحكنا منذ خلقنا إلا معكم، ولا هزلنا إلا معكم، فهنيئا لكم، هنيئا بكرامة ربكم، فلما ودعونا وانصرفوا عنا دخلنا قصورنا، فليس أحد منا إلا وقد وجد الله عز وجل قد جمع له في قصره أمنيته التي تمنى، وإذا على كل قصر منها باب يفضي إلى واد أفيح من أودية الجنة، محفوفة تلك الأودية بجبال من الكافور الأبيض. وكذلك جبال الجنة، وهي معادن الجوهر والياقوت والفضة، فارعة أفواهها في بطون تلك الأودية، في بطن كل واحد منها أربع جنان: جنتان ذواتا أفنان، فيهما عينان تجريان، فيهما من كل فاكهة زوجان، وجنتان مدهامتان، فيهما عينان نضاختان، وفيهما فاكهة ونخل ورمان، وحور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان.

فنتبوأ تلك المنازل، فيستقر قرارنا، فيزورنا ربنا تبارك وتعالى في ملائكته، فيقول لنا: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فنقول: نعم، فيقول: كيف وجدتم ثواب ربكم؟ فنقول: ربنا رضينا فارض عنا، فيقول لنا الجليل جل جلاله: برضائي عنكم نظرتم إلى وجهي، وسمعتم كلامي، وحللتم داري، وصافحتم ملائكتي، فهنيئا هنيئا عطائي لكم، ليس فيه نكد ولا تكدير، فنقول: الحمد لله الذي أحلنا دار المقامة من فضله، لا يمسنا فيها نصب، ولا يمسنا فيها لغوب.

 

دار الســــلام

 

وندخل دار السلام، ودار السلام من الياقوت كلها، أزواجها وخدمها، وآنيتها وأسرتها، وحجالها وقصورها، وخيامها ومدائنها، ودرجها وغرفها وأبوابها، وثمارها من اللؤلؤ والياقوت، فنرى ربنا فيها، فيعطينا الله خواتم من ذهب نلبسها، وهي خواتم الخلد، ثم يعطينا خواتم من در وياقوت ولؤلؤ، فنلبسها.

 

جـنـــة عــدن

 

وندخل جنة عدن، وهي من الزبرجد كلها، على هذه الصفة، فيها روضة عظيمة، لم نر أعظم منها ولا أحسن، خلقها الله عز وجل بيده، ودلى فيها ثمارها، وشق فيها أنهارها، وجعلها لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، ملاطها مسك، حشيشها الزعفران، حصباؤها اللؤلؤ، ترابها العنبر، وهي مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فيها نهر معترض يجري، كأن ماؤه المحض في البياض، والأنهار فيها تشخب، ثم تصدع بعد ذلك أنهارا. نكون فيها في أحسن صورة، في قصر مثل الربابة البيضاء، ليس بيننا وبين أن ننظر إلى ربنا عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه. وجنة المأوى من الذهب الأحمر، بجميع ما فيها، على هذه الصفة.

 

جـنـة الـخلـــــد

 

وندخل جنة الخلد، وهي من الفضة البيضاء، بجميع ما فيها على هذه الصفة. والجنات كلها مائة درجة، ما بين الدرجتين خمسمائة عام. حيطانها لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ولبنة من ياقوت، ولبنة من زبرجد، ملاطها المسك، وقصورها الياقوت، وغرفها اللؤلؤ، ومصارعها الذهب، وأرضها الفضة، وحصباؤها المرجان، وترابها المسك، أعدها الله عز وجل لأوليائه، ينادي الله جل جلاله: يا أوليائي، جوزوا الصراط بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم، فلكم صنعت ثمار الفردوس، ولكم نصبت شجرة الخلد، ولكم بنيت القصور التي أُسست بالنعيم، وشُرِّفت بالملك والخلود.

 

جـنـة الفردوس

 

وندخل جنة الفردوس، وهي أعلا الجنان سُمُوّا، وأوسعها محلا، ومنها تفجر أنهار الجنة، وعليها يوضع العرش يوم القيامة، فجنان الفردوس أربع: اثنتان من ذهب، حليتهما وآنيتهما وما فيهما، واثنتان من فضة، آنيتهما وحليتهما وما فيهما.

 

طعام وشراب أهل الجنـة

 

فنأكل في هذه الجنان ونشرب، وأول طعامنا في الجنة زيادة كبد الحوت، ثم يُنحر لنا ثور رعى من أطراف الجنة، ثم تُوضع لنا مائدة الخلد، زاوية من زواياها أوسع مما بين المشرق والمغرب، ثم نتفكه، ولا نتفل، ولا نبول، ولا نتغوط، ولا نمتخط، نُلهم التسبيح والتحميد كما يُلهم أهل الدنيا النفس. فمن يدخل الجنة يأكل أشهى الطعام، ويشرب ألذ الشراب، لا يتعب، ولا يقلق، ولا يعرق، ولا يتبول، ولا يتغوط، ولا يمتخط، ولا يبصق، ولا يتفل.

وإن أحدنا في الجنة ليعطى قوة مائة رجل، في الأكل والشرب، والجماع والشهوة، وإن أحدنا ليشتهي الطعام، وسيد طعامنا اللحم، فيقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، مع كل خادم صحفتان: واحدة من فضة، وواحدة من ذهب، في كل صحفة لون ليس في الأخرى مثلها، يأكل من آخره كما يأكل من أوله، فيجد لآخره من اللذة والطعم ما لا يجد لأوله، ويبلغ غداؤه سبعين ألف صحفة، من ألوان لحوم الطير، كأنها البخت، لا ريش لها، ولا زغب ولا عظم، ولا تُطبخ بالنار، ولا تقليها القدور، ولذتها لذة الزبد، وحلاوتها حلاوة العسل، ورائحتها رائحة المسك، يأكل من كلها، يجد لآخرها من الطعم كما يجد لأولها، وفي عشائه مثل ذلك، فيقول: يا رب، لو أَذِنْتَ لي لأطعمتُ أهل الجنة، وسقيتُهم، وما ينقص مما عندي شيء.

وإن أحدنا ليشتهي الشراب من شراب الجنة، فيجيء الإبريق إليه، فيقع في يده، فيشرب، ثم يعود مكانه. وإذا كانت منه الحاجة، خرج الطعام من جسده جشاء ورشحا كرشح المسك، وفاض من جلده عرقا، وسال من تحت ذوائبه إلى قدميه مسكا، فإذا بطنه قد ضمر.

 

 

 

لباس أهل الجنـة

 

ويدعوه الله عز وجل على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي حلل الجنة شاء لبس، فيلبس منها ما أراد، ثم يذهب إلى شجرة في الجنة، فيلبس منها ثيابا، لا تبلى ولا تفنى، لو أن ثوبا منها لُبس في الدنيا لصعق من ينظر إليه، وما حملته أبصارهم. فيكون عليه ثوبان يتجاوبان، بصوت مليح، يقول الثوب الذي يلي جسده: أنا أكرم على ولي الله منك، أنا أمس بدنه، وأنت لا تمس بدنه، فيقول الثوب الذي يلي وجهه: بل أنا أكرم على ولي الله منك، أنا أرى وجهه، وأنت لا ترى وجهه.

وثيابنا في الجنة لا خلقا تُخلق، ولا نسجا تُنسج، بل تشقق عنها ثمر الجنة. ويَلبس الذهب، إن لم يكن  يلبسه في الدنيا، ويلبس الحرير، إن لم يكن  يلبسه في الدنيا، فيعطيه الله خاتم من ذهب يلبسه، وهو خاتم الخلد، ثم يعطيه خواتم من در وياقوت ولؤلؤ، وذلك إذا رأى ربه في داره دار السلام.

ويُؤتى بمن قرأ القرآن فأكمله، وعمل بما فيه، فيُلبس والديه تاجا هو أحسن من ضوء الشمس، هذا لوالديه، فما ظنكم بالذي عمل به. ويَلقى أهل الجنة بعضهم بعضا، فيُقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيَلقى من هو دونه، وما فيهم دني، فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، ثم ينصرف إلى منزله، فتتلقاه أزواجه، فيقلن: مرحبا وأهلا، لقد جئتَ وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه.

وإنه ليتكئ في الجنة سبعين سنة، قبل أن يتحول، ثم تأتيه امرأته، فتضرب على منكبيه، فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة، وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب، فتُسلم عليه، فيرد السلام، ويسألها: من أنتِ؟ فتقول أنا من المزيد، وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا، أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها بصره، حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها التيجان المزينة باللؤلؤ، لو أن أدنى لؤلؤة عليها نزلت إلى الدنيا، لأضاءت ما بين المشرق والمغرب، فيتمتع معها، ويلذ بها، كيفما أراد، ومتى ما أراد، وحيثما أراد، فلا مقطوعة ولا ممنوعة.

 

مساكن وقصور أهل الجنـة

 

وإذا دخلتَ الجنة يا ولي الله يدخل أمامك ملك، فيأخذ بك في سككها، فيقول لك: انظر ما ترى، فتقول: أرى أكثر قصور رأيتها من ذهب وفضة، وأكثر أنيس، فيقول لك الملك: فإن هذا أجمع لك، حتى إذا رُفعتَ إليهم استقبلوك من كل باب، ومن كل مكان، يقولون: نحن لك، ثم يقول لك الملك: امش، فتمشي، فيقول الملك: ماذا ترى؟ فتقول: أرى أكثر عساكر رأيتها من خيام، وأكثر أنيس، فيقول الملك: فإن هذا أجمع لك، فإذا رُفعتَ إليهم استقبلوك وقالوا: نحن لك.

ومنزلك في الجنة لؤلؤة، فيها أربعون ألف دار، وفيها شجرة تنبت الحلل، فتأخذ بإصبعيك سبعين حلة، متمنطقة باللؤلؤ والمرجان. وفيها مساكن طيبة في جنات عدن، وإنك لأدل على منزلك في الجنة من منزلك الذي كان لك في الدنيا. ومسكنك في الجنة قصر من لؤلؤة بيضاء، فيها سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير فراش، لون على لون، على كل فراش امرأة من الحور العين. في كل بيت مائدة، على كل مائدة سبعون قصعة، وعلى كل مائدة سبعون وصيفا ووصيفة، يعطيك الله عز وجل في غداة واحدة من الشهوة والقوة ما تأكل ذلك الطعام، وتطوف على تلك الأزواج.

وعلى أبواب قصورك كثبان من مسك، تزور الله جل وعلا في الجمعة مرتين، فتجلس على كرسي من ذهب، مكلل باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، تنظر إلى الله عز وجل، وينظر إليك، فإذا قمتَ انقلبتَ إلى الغرفة من غرفك، ولها سبعون باباً، مكللة بالياقوت والزبرجد.

 

طيـور الجنـــة

 

وتنظر من حولك، فترى طيور الجنة، كأمثال البخت، ترعى في شجر الجنة، أعناقها كأعناق الجزر، وإنها لناعمة، وأنت أنعم منها، تنظر إلى أحدها فيخر بين يديك مشويا، ويقول لك: يا ولي الله، أمّا أنا فقد رعيتُ في واد كذا وكذا، وأكلتُ من ثمار كذا وكذا، وشربتُ من ماء عين كذا وكذا، وسني كذا، وريحي كذا، فكل مني، فإذا اشتهيتَ حسن الطير واشتهيتَ صفته، ووقع في نفسك، وقع الطائر على ما تريد، قبل أن تتكلم، نصفه قديدا ونصفه شواء، متفلقا نضجا.

وتشتهي طيرا آخر، فيجيء مثل البختي، حتى يقع على خوانه، لم يصبه دخان، ولم تمسه نار، فتأكل منه حتى تشبع، ثم يطير. فيقع على صحفتك طير غيره، له سبعون ألف ريشة، فينتفض، فيقع من كل ريشة لون أبيض من الثلج، وألين من الزبد، وألذ من الشهد، ليس منها لون يشبه صاحبه، فتأكل منه حتى تشبع، ثم يطير. وكلما شبعتَ ألقى الله عليك ألف باب من الشهوة في الأكل. ثم تؤتى بالشراب، على برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك، فتشرب، فإذا شربتَ هضمتَ ما أكلت من الطعام، وإنك لتأكل مقدار أربعين عاما.

 

الحـور العــــين

 

وتأتيك الأزواج المطهرة، والعين الغنجات، بوشح الكرامة متزينات، بالمسك متزملات، حدق أعينهن كاحلات، وأطرافهن خاشعات، وفروقهن مكللة بالدر، مركبة بالياقوت، ينادين بأصوات غنجة رخيمة لذيذة، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ونحن الغانجات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، ونحن الحور الحسان، أزواج أقوام كرام، ونحن الأبكار السوام، للعباد المؤمنين، طوبى لمن كان لنا وكنا له.

أنشأهن الله إنشاءً، فجعلهن أبكارا، عاشقات لأزواجهن، مستويات في الأسنان، حسان جمال، كأمثال اللؤلؤ المكنون، كأنهن الياقوت والمرجان، مشيها هرولة، ونغمتها شهية بهية، فائقة وامقة، لزوجها عاشقة، وعليه محبوسة، وعن غيره محجوبة، قاصرة الطرف عن الرجال، فلا تنظر إلى غير زوجها. لم يطمثها إنس قبله ولا جان، كلما أصابها زوجها وجدها عذراء، عليها سبعون حلة، مختلفة الوُشِيِّ والألوان، حملها أهون عليها وأخف من شعرها.

فما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل النار، (ميراثه من أهل النار يعني رجالا دخلوا النار فورث أهل الجنة نساءهم كما وُرِثَتْ امرأة فرعون)، ما منهن واحدة إلا ولها قُبُلٌ شهي، وله ذَكَرٌ لا ينثني، ويُعطَى قوة مائة شاب في الجماع، فيجامع مقدار أربعين سنة، وله في كل يوم مائة عذراء، بذَكَرٍ لا يمل ولا ينثني، وفرج لا يحثى ولا يمنى. على كل واحدة منهن سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الثياب.

 

 

 

 

أصناف الحـور العـين

 

ولك يا ولي الله ما اشتهت نفسك من الحور العين، فهن أصناف: ففيهن حوراء يقال لها اللُّعبة، كل حور الجنات يُعجبن بها، يَضربن بأيديهن على كتفها ويقلن: طوبى لك يا لُعبة، لو يعلم الطالبون لك لجدّوا، بين عينيها مكتوب: {من كان يبتغي أن يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي}. وفيهن حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها، ولولا أن الله تعالى كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا من حسنها. وفيهن حوراء يقال لها العيناء، إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها، وعن يسارها كذلك، وهي تقول: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر. فتختار -يا عبد الله- منهن أو من غيرهن من تشاء، وتجامعها مقدار عمرك في الدنيا، فلا مقطوعة ولا ممنوعة.

 

أول لقـاء بالحوراء

 

فأنت -يا ولي الله- عندما تخرج من قبرك، تتلقاك النجائب، فتركب وتأكل وتشرب وتتنخم، حتى تصل إلى باب الجنة، فترى عينين من عيون الجنة، فتشرب من أحدهما، وتتوضأ من الأخرى، فإذا أنت على طول آدم؛ ستون ذراعاً في السماء، وعلى صبر أيوب، وعلى جمال يوسف، وعلى سن عيسى، ثلاثة وثلاثون عاماً، وعلى أخلاق محمد، عليهم جميعا الصلاة والسلام. فإذا جئتَ لتدخل من باب الجنة، جاءتْ أزواجك من الحور العين يتلقونك بالغناء والمعانقة والتقبيل.

وإذا خرجتَ من قبرك استُقبلْتَ بنوق بيض لها أجنحة، عليها رحال الذهب، شرك نعلك نور يتلألأ، كل خطوة منها مثل مد البصر، فتنتهي إلى باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان، فإذا شربتَ من أحدهما جرت في وجهك بنضرة النعيم، وإذا توضأت من الأخرى لم يشعث شعرك أبداً، فتضرب الحلقة بالصفيحة، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتستخفها العجلة، فتبعث قَيِّمها فيفتح لك الباب، فلولا أن الله عز وجل عرّفك نفسك لخررتَ له ساجداً، مما ترى من النور والبهاء، فيقول القَيِّم: أنا قَيِّمك الذي وُكِّلْتُ بأمرك، فتتبعه، وتقفو أثره، فتأتي زوجتك، فتستخفها العجلة، فتخرج من الخيمة، فتعانقك، وتقول لك: أنت حبي وأنا حبك، وأنا الراضية فلا أسخط أبداً، وأنا الناعمة فلا أبأس أبداً، وأنا الخالدة فلا أظعن أبداً، فتدخل بيتاً من أساسه، وطرائق صفر ما منها طريقة تشاكل صاحبتها، فتأتي الأريكة، فإذا عليها سرير، على السرير سبعون فراشاً، على كل فراش سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، ترى مخ ساقها من باطن الحلل، تفضي جماعهن في مقدار ليلة. تجري من تحتكم أنهار مطردة، وأنهار من ماء غير آسن، صاف ليس فيه كدر، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم تعصره الرجال بأقدامها، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من بطون الماشية. فإذا اشتهيت الطعام جاءتك طير بيض، فترفع أجنحتها، فتأكل من جنوبها من أي الثمار شئت، إن شئت قائماً، وإن شئت متكئاً. وبين يديك خدم كاللؤلؤ، يطيعونك، ولا يعصون لك أمرا.

ويساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً، حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها، وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما، كأنما أمروا بها، فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى أو بأس، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها، فجرت عليهم بنضرة النعيم، فلن تتغير أبشارهم تغييراً بعدها أبداً، ولن تشعث أشعارهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم انتهوا إلى خزنة الجنة، فقالوا: (سلامُ عليكم طبتم فادخلوها خالدين)، ثم يلقاهم الوِلْدان، يطيفون بهم كما يطيف وِلْدان أهل الدنيا بالحميم، فيقولون: أبشر بما أعد الله لك من الكرامة، ثم ينطلق غلام من أولئك الوِلْدان إلى بعض أزواجك من الحور العين، فيقول: قد جاء فلان، باسمه الذي يُدعى به في الدنيا، فتقول: أنت رأيتَه، فيقول: أنا رأيتُه، وهو ذا بأثري، فيستخف إحداهن الفرح، حتى تقوم على أسكفة بابها، فإذا انتهيت إلى منزلك نظرتَ إلى أي شيء أساس بنيانه، فإذا جندل اللؤلؤ، فوقه صرح أخضر وأصفر وأحمر، ومن كل لون، ثم ترفع رأسك فتنظر إلى سقفه، فإذا مثل البرق، لولا أن الله قدر لك لذهب ببصرك، ثم تطأطئ رأسك، فتنظر إلى أزواجك، وإلى أكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فتنظر إلى تلك النعمة، ثم تتكئ وتقول: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، ثم ينادي منادٍ: تحيون فلا تموتون أبداً، وتقيمون فلا تظعنون أبداً، وتصحّون فلا تمرضون أبدا.

وعندما تدخل يا ولي الله من باب الجنة، يتلقاك غلمانك، فيقولون: مرحباً بسيدنا، قد آن لك أن تزورنا، فتُمد لك الزرابي أربعين سنة، ثم تنظر عن يمينك وشمالك، فترى الجنان، فتقول: لمن ما ها هنا؟ فيُقال: لك، حتى إذا انتهيتَ رُفعتْ لك ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، لها سبعون شِعباً، في كل شِعبٍ سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً، فيُقال لك: اقرأ وارق، فتقرأ وترقى، حتى إذا انتهيتَ إلى سرير ملكك اتكأتَ عليه، سعته ميلٌ في ميل، ولك فيه قصور، فيسعى إليك غلمانك بسبعين صحفةً من ذهب، ليس فيها صحفة فيها من لون أختها، تجد لذة آخرها كما تجد لذة أولها، ثم يسعون إليك بألوان الأشربة، فتشرب منها ما اشتهيت، ثم يقول الغلمان: اتركوه وأزواجه، فينطلق الغلمان، ثم تنظر، فإذا حوراء من الحور العين جالسة على سرير ملكها، عليها سبعون حلة، ليس منها حلة من لون صاحبتها، فترى مخ ساقها من وراء اللحم والدم والعظم، والكسوة فوق ذلك، فتنظر إليها وتقول: من أنتِ؟ فتقول لك: أنا من الحور العين اللاتي خُبئن لك، فتنظر إليها أربعين سنة، لا تصرف بصرك عنها، لشدة جمالها، ثم ترفع بصرك إلى الغرفة، فإذا أخرى أجمل منها، فتقول الحوراء: أما آن لك أن يكون لنا منك نصيب؟ فترقى إليها أربعين سنة، لا تصرف بصرك عنها.

ثم إذا بلغ النعيم منا كل مبلغ، وظننا أن لا نعيم أفضل منه، تجلى لنا الرب تبارك اسمه، فننظر إلى وجهه الكريم، فيقول جل في علاه: يا أهل الجنة، هللوني، فنتجاوب بتهليل الرحمن، ثم يقول: يا داود، قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا، فيمجد داود ربه عز وجل، بصوت لم تسمع الخلائق مثله.

 

صفـة الحـور العيـن

 

وإنك -يا ولي الله- لتتكئ في الجنة سبعين سنة، قبل أن تتحول، ثم تأتيك امرأتك، فتضرب على منكبيك، فترى وجهك في خدها أصفى من المرآة، وتنظر إلى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، حتى ترى مخها، كأنهن الياقوت والمرجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، فتُسَلِّم عليك، فترد السلام، وتسألها: من أنتِ؟ فتقول لك: أنا من المزيد، عليها سبعون ثوبا، أدناها مثل النعمان من طوبى، فينفذها بصرك حتى ترى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان، وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. والذي نفسي بيده، لو اطلعتْ على أهل الأرض لأضاءتْ ما بينهما، ولملأتْ ما بينهما بريحها، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها.

فإن سألتَ عن أزواجك وحبيباتك يا عبد الله، فاعلم أنهن الكواعب الأتراب، اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود، وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت.

إذا قابلتْ حِبَّها فقل ما تشاء في تقابل النورين، وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين، يرى وجهه في صحن خدها كما يُرى في المرآة التي جلاها صيقلها ، ويَرى مخ ساقها من وراء اللحم، ولا يستره جلدها، ولا عظمها، ولا حللها. لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، وأفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، ولتزخرفت لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوءَ الشمس كما تطمس الشمسُ ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم، ولَنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالها أشهى إليك من جميع أمانيها.

ولا تزداد على طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا تزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحبل والولادة، والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والمذي والمني، والبول والغائط، وسائر الأدناس. مطهرة من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة، والفحش والبذاء، ومن النظر إلى غير زوجها. لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلِق ثوب جمالها، ولا يُمَل طيب وصالها، قد قصرت على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه. وقصر طرفك عليها، فهي غاية أمنيتك وهواك، إن نظرتَ إليها سرتك، وإن أمرتها بطاعتك أطاعتك، وإن غبتَ عنها حفظتك، فأنتَ منها في غاية الأماني، لم يطمثها قبلك إنس ولا جان، كلما نظرتَ إليها ملأتْ قلبك سروراً، وكلما حدثتْك ملأتْ أذنك لؤلؤاً منظوماً، وإذا برزتْ ملأت القصر والغرفة نوراً.

وإن سألت عن السن فأتراب في أعدل من الشباب، وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر، وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن جور، وإن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان، وإن سألت عن النهود فمن الكواعب، ونهودهن كألطف الرمان، وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان، وإن سألت عن حسن الْخُلُق فهن الخيرات الحسان، اللاتي جمعن بين الحسن والإحسان، فأعطين جمال الباطن والظاهر، فهن أفراح النفوس وقرة النواظر، وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك، فهن العُرب المحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج.

فما ظنك بامرأة إذا ضحكتْ في وجهك أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلتْ من قصر إلى قصر قلتَ: هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها، وإذا حاضرتك فيا حسن تلك المحاضرة، وإن خاصرتك فيا لذة المعانقة والمخاصرة، وإن غنتْ لك فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنستْك وأمتعتْك فيا حبَّذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قبّلَتْك فلا شيء أشهى إليك من التقبيل، وإن نلتَها فلا ألذَّ ولا أطيبَ من ذلك التنويل.

أما يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، فإنه اليوم الأعظم والأجمل، ففيه ترى الرب الرحيم، كما ترى الشمس في الظهيرة، والقمر ليلة البدر. فالجنة، وربِّ الكعبة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

واسمع -يا عبد الله- وصف الحور العين، التي قصّ الله عليك ذكرها، وبيّن لك النبي صلى الله عليه وسلم وصفها، ولنأخذ في وصفها عضواً عضواً، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وما وجدنا نصاً ودليلاً، ولنبدأ بأعلاها حتى ننتهي إلى أسفلها.

أما طولها فيتناسب مع طول حبيبها، وأما عرضها فيتلاءم مع عرض زوجها، وأما الحلل التي عليها فهي من سندس وإستبرق وحرير، بألوان خضراء وحمراء وغير ذلك، مع الشفافية والصفاء، مكللة بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ. أما التيجان على رأسها فخير من الدنيا وما فيها، عليه ألوان وأنواع لا تحصى من الجواهر. وخمارها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. وشعرها طويل ناعم، صُفَّ بطريقة فاتنة ساحرة، ينفجر منه الريح، وينبثق منه النور والجمال، لو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها.

وأما وجهها فيعجز اللسان عن وصفه، ويعجز الكلام عن بيانه، ويعجز العقل عن تصوره، فلو أخرجتِ الحور وجهها لأضاء حسنها ما بين السماء والأرض، فنور وجوههن من نور الله عز وجل. ولو أن يدا من الحور، بياضها وخواتيمها، دُلِّيَتْ من السماء، لأضاءتْ لها الأرض كما تضيء الشمس لأهل الدنيا، هذه يدها، فكيف بالوجه بياضه وحسنه وجماله، وتاجه وياقوته، ولؤلؤه وزبرجده.

وما أدراك ما الجبهة اتساعاً وجمالاً ونوراً، ثم ما أدراك ما العين، إنها الحوراء العيناء، شديدة بياض بياض العين، شديدة سواد سواد العين، يحار الطرف في حسن عينها، عظيمة العين مع اتساع، ومع كل هذا فهي قاصرة الطرف على زوجها. أما الحاجب فرقيق واسع أسود، والأنف ضيق، والفم أيضا، فمجمع الجمال والحسن، جمال الشفة، وجمال الأسنان، وجمال الصوت والنغمات. يسطع نور في الجنة، لم يبق موضع من الجنة إلا دخله من ذلك النور، فإذا رفعوا رؤوسهم وجدوه من ثغر حوراء، ضحكت في وجه زوجها.

وأما ريقها فعذب، أحلى من العسل، وأطيب رائحة من المسك، لو أن حوراء بزقت في بحر لعذب ذلك البحر من عذوبة ريقها، بل لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بصقت في سبعة أبحر، لكانت تلك الأبحر أحلى من العسل. وأما كلامها فهو السحر الحلال، وهي قصيرة اللسان عن كثرة الكلام. وأما صوتها وغناؤها، فلو أن الله كتب على أوليائه الموت لماتوا جميعا من جمال صوتها، فيا لروعة نغماتها، ويا لجماله. وأما رائحة فمها، فلو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرقتْ لملأتِ الأرض ريح مسك، ولأذهبتْ ضوء الشمس والقمر.

وأما عنقها، فكأنه الياقوت والمرجان، ترى وجهك في جيدها، أصفى من المرآة، وإن لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وإنه ليكون عليها سبعون ثوباً، ينفذها بصرك حتى ترى مخ ساقها من وراء ذلك. وأما الثدي، فكواعب أتراباً، فثدي الحوراء لا يتدلى، وإنما هو كالتفاح، مكعب بدون زوايا، نواهد مستديرة، كالرمان. وأما الكبد فمرآة صافية، كبدك لها مرآة، وكبدها لك مرآة.

وأما صدرها ووسطها وسرتها، أعلاها وأسفلها، وفخذاها، وكتفاها، وعضدها، ومرفقاها، وساعداها، وركبتاها، وقدمها، فشيء يعلو على الخيال، ولذا لم يرد فيه وصف عن الكبير المتعال، ولا النبي سيد الرجال. وأما أصابعها، فأحدها أجمل وأشد ضوءاً من الشمس والقمر، لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤُه ضوءَ الشمس والقمر. وأما أسفلها فهي عظيمة جسم المقعدة، مع رقة وصفاء، ولين ولطف، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدتها قدر ميل.

وإنك يا أخي لتمسك التفاحة من تفاح الجنة، فتنفلق في يدك، فتخرج منها حوراء، لو نظرتْ للشمس لأخجلتِ الشمس من حسنها، من غير أن ينقص من التفاحة، كالسراج الذي يوقد منه سراج آخر فلا ينقص، والله على ما يشاء قدير.

فالحور العين خُلِقتْ من ثلاثة أشياء: أسفلهن من المسك، وأوسطهن من العنبر، وأعلاهن من الكافور، وشعورهن وحواجبهن سواد خط من نور. يخلقهن الله من قضبان العنبر والزعفران، مضروبات عليهن الخيام. أول ما يخلق الله منهن نهداً من مسك أذفر أبيض، عليه يلْتامُ البدن. ومنهن من خَلَقَ اللهُ من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب، ومن عنقها إلى رأسها من الكافور الأبيض، عليها سبعون ألف حلة، مثل شقائق النعمان. إذا أقبلت يتلألأ وجهها نوراً ساطعاً كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا، وإذا أدبرت يرى كبدها من رقة ثيابها وجلدها، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك الأذفر، لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها.

مكتوب في نحرها: أنت حبي وأنا حبك، لست أبغي بك بدلا، ولا عنك معدلا، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، ترى مخ ساقها من وراء لحمها وحليها، كما ترى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، وكما ترى السلك الأبيض في جوف الياقوتة الصافية.

وإن نساءً من الحور العين في خيمة من درة مجوفة، حورُ مقصوراتٌ في الخيام، على كل امرأة منهن سبعون حلة، ليس منها حلة على لون الأخرى، وتعطى سبعين لوناً من الطيب، ليس منهن لون على ريح الآخر، لكل امرأة منهن سبعون سريراً من ياقوتة حمراء، موشحة بالدر والياقوت، على كل سرير سبعون فراشاً، على كل فراش أريكة، ولكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها، وسبعون ألف وصيف، مع كل وصيف صحفة من ذهب، فيها لون من طعام، تجد لآخر لقمة لذة ما لا تجد لأوله، وتُعطى يا زوجها مثل ذلك، على سرير من ياقوت أحمر، عليك سواران من ذهب، موشح بياقوت أحمر، هذا بكل يوم صمتَه من شهر رمضان، سوى ما عملتَ من الحسنات.

 

غنـاء الحـور العيـن

 

فتأمل -يا ولي الله- ما أنت فيه من النعيم العظيم العميم، من سماع صوتها الذي لا مثيل له في الوجود، و لا نظير له في الخلود، فما أروع صوتها، و ما أجمل طربها. فأنت تستمع لغناء الحور العين عند باب الجنة، فهن يتلقين أزواجهن عند أبواب الجنة، فيقلن: طالما انتظرناكم، فنحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، ونحن الخالدات فلا نموت، بأحسن أصوات سُمِعَتْ، وتقول: أنت حبي وأنا حبك، ليس دونك تقصير، ولا وراءك معدل.

فإذا ما دخلتَ قصرك، استمعتَ إلى غناء الحور العين، ففي الجنة مجتمع للحور العين، يرفعن بأصوات لم تَسمع الخلائق بمثلها، ويقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، طوبى لمن كان لنا وكنا له. وتَستمتع بلذة السماع عند الأنهار وأنتَ تأكل وتشرب، ففي الجنة نهر طوله طول الجنة، حافتاه العذارى، قيام متقابلات، يغنين بأصوات حتى يسمعها الخلائق، ما نرى لذة مثلها، وإنه إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس، وثناء على الرب عز وجل.

ولزوجاتك -يا عبد الله- لقاء أسبوعي للطرب والسماع، يجتمعن في كل سبعة أيام، فيقلن بأصوات حسان لم تسمع الخلائق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن المقيمات فلا نظعن، طوبى لمن كان لنا وكنا له.

ولنا في الجنة لقاءات عند بعض الأشجار، تحتها الجواري الحسان، يغنين بأصوات متعددة، وألحان متنوعة. منها أن في الجنة شجر حمله اللؤلؤ والزبرجد، وتحته جوار ناهدات، يتغنين بألوان، يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت، فإذا سمع ذلك الشجر صفق بعضه بعضاً، فأجبن الجواري، فلا ندري أأصوات الجواري أحسن أم أصوات الشجر. يا الله!! ويمتد أثر صوت الحوراء الجميل إلى أشجار الجنة، حتى إن الأشجار لَتُزهر وتُورِد من تسبيح الحوراء، بل إذا سبَّحتِ المرأة من الحور العين لم يبق في الجنة شجرة إلا وَرَدَّت.

وإذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الذين كانوا يُنَزِّهون أسماعهم وأنفسهم عن مجالس اللهو ومزامير الشيطان؟ أسكنوهم رياض المسك، أسمعوهم تمجيدي وتحميدي. ويأمر بمنبر رفيع، فيوضع في الجنة، ثم ينادي: يا داود مجدني بذلك الصوت الرخيم الحسن الذي كنت تمجدني به في دار الدنيا، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنان. ويقول الله عز وجل للملائكة: أن عبادي كانوا يحبون الصوت الحسن في الدنيا، فيدَعونه من أجلي، فأَسْمِعوا عبادي، فيأخذوا بأصوات من تهليل وتسبيح وتكبير، لم يسمعوا بمثله قط.

وفي الجنة شجرة، ثمرها زبرجد وياقوت ولؤلؤ، فيبعث الله ريحا فتُصفِّق، فتُسمَع لها أصوات لم يُسمَع ألذ منها. وفيها آجام من قصب من ذهب، حملها اللؤلؤ، فإذا اشتهى أهل الجنة أن يَسمَعوا صوتا حسنا بعث الله على تلك الآجام ريحا، فتأتيهم بكل صوت يشتهونه.

ولنا سماع أعلى من هذا، يضمحل دونه كل سماع، وذلك حين نسمع كلام الرب جل جلاله، وخطابه وسلامه علينا، ومحاضرته لنا، يقرأ علينا كلامه، فإذا سمعناه منه فكأننا لم نسمعه من قبل، تلذ به آذاننا، وتقر به أعيننا، إذ ليس في الجنة لذة أعظم من النظر إلى وجه الرب تبارك تعالى، وسماع كلامه منه، ولا نعطى في الجنة شيئا أحب إلينا من ذلك، حيث ندخل كل يوم مرتين على الجبار جل جلاله، فيقرأ علينا القرآن، وقد جلس كل امرئ منا مجلسه الذي هو له، على منابر الدر، والياقوت والزبرجد، والذهب والزمرد، فلم تقر أعيننا بشيء أجمل منه، ولم نسمع شيئا قط أعظم ولا أحسن منه، ثم ننصرف إلى رحالنا ناعمين، قريرة أعيننا إلى مثلها من الغد.

 

دلال الحـور العــين

 

وبينما أنت يا ولي الله في الجنة مع زوجتك من الحور العين، على سرر من ياقوت أحمر، وعليك قبة من نور، فتقول لها: قد اشتقت إلى مشيتك، فتنزل من سرير الياقوت الأحمر إلى روضة مرجان أخضر، فيُنشئ الله عز وجل لها في تلك الروضة طريقين من نور، أحدهما نبت الزعفران، والآخر نبت الكافور، فتمشي في نبت الزعفران، وترجع في نبت الكافور، وتمشي بسبعين ألف لون من الغنج. وتضحك في وجهك، فيسطع نور من بين ثناياها يملأ الجنة.

 

 

 

 

جمـاع الحــور العــين

 

وتلقى امرأةً أجمل من القمر، جمعتْ لك كل دواعي الجماع، ومع هذا تُعطَى قوة مائة رجل في الجماع. وكما أن الحوراء طاهرة مطهرة، فأنتَ أيضا طاهر مطهَّر، لا تلحقك الأمراض، ولا تنزل عليك المصائب، ولا يلحقك ضعف ولا انحلال قوة، ولو جامعتها مليار مرة. إنه وطء التلذذ، ومتعة ونعيم، لا آفة فيه بوجه من الوجوه، شهوتك دفعاً دفعاً، لا تنقطع أبداً، ولا مني ولا موت، ولا جنابة ولا ملل، وهذه المتعة شغلك الشاغل، وهذه الشهوة عملك الدائم، مع غيره من الشهوات والنعيم المقيم، (إن أصحاب الجنة اليوم في شغلٍ فاكهون، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون). فشغلهم الشاغل افتضاض الأبكار.

وكيف لا تُشغَل عن الغموم والهموم، والكروب والمصائب، وعذاب أهل النار، وما هم فيه من عقاب أليم، وقد أُعطيتَ كل وسائل الترف والتمتع، ومُنع عنك أبدياً كل آفة ونقص وشقاء، وملل وتعب، وكيف لا تُشغَل بوطء الحور العين، وقد اجتمع فيك كل ما يدعو إلى هذه المتعة: من راحة الصدر، وسلامة القلب، وهدوء البال، وقوة البدن، وطول الجسد، مع قوة مائة رجل في الجماع، وشهوتك تجري في جسدك سبعين عاماً. فتطأها دحماً دحماً، وإذا قُمتَ عنها رجعتْ مطهرة بكراً.

وكيف لا تُشغَل بلذة جماع الحوراء وهي من هي في جمالها؟ وهي من هي في حسنها؟ لو أخرجت كفها على الدنيا لأفتتن الخلائق بحسنها، ولو ظهرتْ أدنى لؤلؤة من اللؤلؤ الذي عليها لأضاءتْ ما بين المشرق والمغرب، ولو اطلعتْ إلى الأرض لملأَتْها ريحاً، وترى بياض ساقها من وراء سبعين حلة، إنها الحوراء العيناء، البيضاء الحسناء.

وكيف لا تُشغَل الحوراء بك وأنتَ على جمال يوسف، أمرد أكحل، لا يفنى شبابك، ولا تبلى ثيابك، على قلب أيوب، وعلى طول آدم، ستون ذراعاً في السماء، ابن ثلاث وثلاثين عاما. تعود إليك الحور مطهرة من الجنابة، مطهرة من النجاسة، مطهرة من الحدث الأصغر والأكبر، مطهرة من البول والغائط، مطهرة من الحيض والنفاس، مطهرة من المني والمذي والودي، مطهرة من التفل والبصاق والنخامة، مطهرة من النظر إلى غيرك، مطهرة من الفحش والتفحش، والبذاء واللعن والسّب، مطهرة من الأخلاق السيئة، والصفات المذمومة، ومطهرة من كل أذى وقذر.

وأكمل الناس في هذه اللذة أصونهم لنفسه في الدنيا، عن الزنا و اللواط، والمعانقة والتقبيل، والمس والمصافحة، والنظر إلى الحرام، فكما أن من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة، ومن أكل في صحاف الذهب والفضة في الدنيا لم يأكل فيها في الآخرة، فهي للكفار في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة. فكذلك من لم يصن نفسه في الدنيا عن الزنا ومقدماته يُحرَم أن يكون كمن عفّ واستعفَّ، وصان نفسه وزكاها. فمن ترك اللذة المحرمة لله استوفاها يوم القيامة أكمل ما تكون، ومن استوفاها هنا حُرِمَها هناك، أو نقص كمالها، فلا يجعل الله لذة من وقع في معاصيه، كلذة من ترك شهوته لله أبداً.

والذي بعث نبيه بالحق، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم. حيث تدخل -يا عبد الله- على اثنتين وسبعين زوجة مما يُنشئ الله، واثنتين من ولد آدم، لهما فضل على من أنشأ الله، لعبادتهما الله عز وجل في الدنيا. تدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب، مكلل باللؤلؤ، عليه سبعون زوجاً من سندس وإستبرق، فتضع يدك بين كتفيها، ثم تنظر إلى يدك من صدرها، ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وتنظر إلى وجهك في خدها، أصفى من المرآة، وإنك لتنظر إلى مخ ساقها، كما تنظر إلى السلك في قصبة الياقوت، كبدك لها مرآة، وكبدها لك مرآة.

فبينما أنت عندها لا تملها ولا تملك، ولا تأتيها مرة إلا وجدتها عذراء، لا يفتر ذكرك، ولا يشتكي قُبُلها، فتناديك: إنا قد عرفنا أنك لا تَمَلُّ ولا تُمَل، إلا أنه لا مني ولا منية، إلا أن تكون لك أزواج غيرها، فتخرج إليهن، فتأتيهن واحدة واحدة، كلما جاءتْ واحدة قالت: والله ما في الجنة شيء أحسن منك، وما في الجنة شيء أحب إلي منك.

وهل أتاك نبأ شهوتك يا ولي الله، إن شهوتك لتجري في جسدك سبعين عاماً، تجد اللذة، ولا يلحقك بذلك الجنابة، ولا ضعف، ولا انحلال قوة، ولا يلحقك تعب ولا مشقة، بل وطؤك وطء التلذذ، ونعيم لا آفة فيه. وهل أتاك أن شهوتك عند اللقاء بحبيبتك لا تنقطع أبداً، فتجامع بذَكَرٍ لا يمل، وشهوة لا تنقطع، دحماً دحماً، بلا مني ولا منية؛ أي لا إنزال ولا موت.

فيا حسن مواقعتها وملاطفتها عند الجماع، ويا حسن عشقها وطاعتها لزوجها، ويا حسن صورتها وعشرتها لحبيبها، ويا حلاوة حبها وغنجها لبعلها، لِمَ لا، ونحن نعلم أن هذا غاية ما نطلب من النساء، وبه تكتمل لذتنا بهن. فالعجب العجاب لو ترى عيناك الحوراء المشحونة بأسرار لا تستطيع لها إحاطة، ولو حاولت تفسيراً لها لما استطعت، ومن هذا أنك بعد أن تجامعها تعود بكراً.

 

ســرر الجـنـــة

 

وذلك أنك -يا ولي الله- في الجنة على سرير، والسرير ارتفاعه خمسمائة عام، والسرير من ياقوت أحمر، منسوج بقضبان الذهب، مشتبكة بالدر والياقوت والزبرجد، له جناحان من زمرد أخضر. وعلى السرير سبعون فراشا، حشوها النور، وظواهرها السندس، وبطائنها من إستبرق، ولو دُلِّيَ أعلاها فراشا ما وصل إلى آخرها مقدار أربعين عاما.

وسريرك في الجنة يا عبد الله كما بين مكة وأيلة، طوله في السماء مائة ذراع، إذا أردتَ أن تجلس عليه تواضع لك حتى تجلس عليه، فإذا جلستَ عليه ارتفع إلى مكانه.

 

أرائـك الـجنــــة

 

وعلى السرير أريكة من لؤلؤة، عليها سبعون سترا من نور، وذلك قوله عز وجل: (هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون)؛ أي في ظلال الأشجار على الأرائك متكئون على السرر. وبينما أنت معانقها، لا تمل منك ولا تمل منها، والمعانقة أربعين عاما، ترفع رأسك، فإذا أنتَ بأخرى متطلعة تناديك: يا ولي الله، أما لنا فيك من دَوْلَة؟ فتقول: حبيبتي من أنتِ؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله فيهن (ولدينا مزيد)، فيطير سريرك، أو كرسيك الذهب، وله جناحان، فإذا رأيتَها وجدتَّها تضعف على الأولى بمائة ألف جزء من النور، فتعانقها مقدار أربعين عاما، لا تمل منك ولا تمل منها، فإذا رفعتَ رأسك رأيتَ نورا ساطعا في دارك، فتعجب، فتقول: سبحان الله! أملك كريم زارنا؟ أم ربنا أشرف علينا؟ فيقول الملك وهو على كرسي من نور، وبينه وبين الملك سبعون عاما، والملك في حجبته في الملائكة: لم يزرك ملك، ولم يشرف عليك ربك عز وجل، فتقول: ما هذا النور؟

 

نســاء الدنيــــا

 

فيقول الملك: إنها زوجتك الدنيوية، وهي معك في الجنة، وإنها اطلعتْ عليك فرأتك معانقا لهذه فتبسمتْ، فهذا النور الساطع الذي تراه في دارك هو نور ثناياها، فترفع رأسك إليها، فتقول لك: يا ولي الله، أما لنا فيك من دَوْلَة؟ فتقول: حبيبتي من أنت؟ فتقول لك: يا ولي الله، أما أنا فمن اللواتي قال الله عز وجل فيهن: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين)، فيطير سريرك إليها، فإذا لقيتَها وجدتَّها تضعف عن هذه الأخرى بمائة ألف جزء من النور، لأن هذه صامت وصلت وعبدتِ الله عز وجل، فهي إذا دخلتِ الجنة أفضل من نساء الجنة، لأن أولئك أُنبِتن نباتا، فتعانق هذه مقدار أربعين عاما، لا تمل منك ولا تمل منها، ثم إنها تقوم بين يديك وخلاخلها من ياقوت، فإذا وطئتها سمعتَ من خلاخلها صفير كل طير في الجنة، وإذا مسستَ كفها كان ألين من المخ، وتشم من كفها رائحة طيب الجنة، وعليها سبعون حلة من نور، لو نُشِرَ الرداء منها لأضاء ما بين المشرق والمغرب، خلقتْ من نور، والحلل أرق من نسج العنكبوت، وهو أخف عليها من النقش، وإنك لترى مخ ساقها، من صفائها ورقتها، من وراء العظم واللحم والجلد والحلل، مكتوب على ذراعها اليمين بالنور (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن).

فالمؤمنات يتفوقن على الحور العين في الجمال، ويتفوقن عليهن في الحسن، ويتفوقن عليهن في الأخلاق، ويتفوقن عليهن في حسن التبعل للأزواج، ويتفوقن عليهن في كلمات العشق والحب والغرام، ويتفوقن عليهن في جمال الصوت، وحلاوة النغمات، ويتفوقن عليهن في النور والضياء، ويتفوقن عليهن في الحلل والأساور، والتيجان والكساء، ويتفوقن عليهن في الولدان والوصائف، بل إن الحوراء العيناء خادمة للمؤمنات، وحبيبها وزوجها أشد شغلاً بها من الحوراء.

(وحورٌ عينٌ)، حور بيض، ضخام العيون، شقر، الحوراء بمنزلة جناح النسر، (كأمثال اللؤلؤ المكنون)، صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي، (كأنهن بيض مكنون)، رقتهن كرقة الجلد الذي رأيته في داخل البيضة مما يلي القشر، وهو الغرقىء، (عرباً أتراباً)، هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً، خلقهن الله بعد الكبر، فجعلهن عذارى، عرباً متخشعات مستحببات، أتراباً على ميلاد واحد، فنساء الدنيا أفضل من الحور العين، كفضل الظهارة على البطانة، وذلك بصلاتهن وصيامهن وعبادتهن لله تعالى، ألبس الله وجوههن النور، وأجسادهن الحرير، بيض الألوان، خضر الثياب، صفر الحلي، مجامرهن الدر، وأمشاطهن الذهب، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، وطوبى لمن كنا له وكان لنا.

وإن الحور العين إذا قلن: نحن الخالدات فلا نموت أبداً، ونحن الناعمات فلا نبأس أبداً، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً، ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً، ونحن خَيْرات حسان، حبيبات لأزواج كرام. أجابهن المؤمنات من نساء أهل الدنيا: نحن المصليات وما صليتن، ونحن الصائمات وما صمتن، ونحن المتوضئات وما توضأتن، ونحن المتصدقات وما تصدقتن، فيغلبنهن. وإن الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف.

والمؤمنة إذا تزوجتْ أكثر من واحد في الدنيا فإنها تُخيَّر، فتختار أحسنهم خُلُقاً، فتقول: أي رب، إن هذا كان أحسنهم معي خلقاً في دار الدنيا فزوجنيه، فتتزوجه، فقد ذهب حسن الخلق بخيري الدنيا والآخرة.

 

تبـادل الحـــب

 

مكتوب على كبدها بالنور: {حبيبي أنا لك، لا أريد بك بدلا}، فكبدها مرآته، وهي على صفاء الياقوت، وحسن المرجان، وبياض البيض المكنون، عربا أترابا، عاشقات لأزواجهن، بنات خمس وعشرين سنة، لو ضحكتْ لأضاء نور ثناياها الجنة، ولو سَمع الخلائق منطقها لافتتن كل بر وفاجر، فهي قائمة بين يديه، فساقها يضعف على قدميها بمائة ألف جزء من النور، وفخذها يضعف على ساقها بمائة ألف جزء من النور، وعجزها يضعف على فخذها بمائة ألف جزء من النور، وبطنها يضعف على عجزها بمائة ألف جزء من النور، وصدرها يضعف على بطنها بمائة ألف جزء من النور، ووجهها يضعف على نحرها بمائة ألف جزء من النور، ولو تفلتْ في بحار الدنيا لعذبتْ كلها، ولو اطلعتْ من سقف بيتها إلى الدنيا لأخفى نورها نور الشمس والقمر، عليها تاج من ياقوت أحمر، مكلل بالدر والمرجان، وعلى يمينها مائة ألف قرن من قرون شعرها.

 

ضفـائـر الجمــال

 

وتلك القرون: قرن من نور، وقرن من ياقوت، وقرن من لؤلؤ، وقرن من زبرجد، وقرن من مرجان، وقرن من در، مكلل بالزمرد الأخضر والأحمر، مفضض بألوان الجوهر، موشح بألوان الرياحين، ليس في الجنة طيب إلا وهو تحت شعرها، الواحدة تضيء مسيرة أربعين عاما، وعلى يسارها مثل ذلك، وعلى مؤخرها مائة ألف ذؤابة من ذوائب شعرها، فتلك القرون والذوائب إلى نحرها، ثم تتدلى إلى عجزتها، ثم تتدلى إلى قدميها حتى تجره بالمسك، وعن يمينها مائة ألف وصيفة، كل وصيفة آخذة بذؤابة من ذوائب شعرها.

 

وصائـف الـجنـــة

 

ومن بين يديها مائة ألف وصيفة، معهن مجامر من در، فيها بخور من غير نار، ويذهب ريحه في الجنة مسيرة مائة عام، حولها ولدان مخلدون، وشباب لا يموتون، كأنهم اللؤلؤ المنثور كثرة، فهي قائمة بين يديك يا ولي الله، ترى إعجابك وسرورك بها، وهي مسرورة عاشقة لك، فتقول لك: يا ولي الله، لتزدادن غبطة وسرورا، فتمشي بين يديك بمائة ألف لون من المشي، في كل مشية تتجلى في سبعين حلة من النور، والماشطة معها، فإذا مشت تتمايل وتنعطف، وتتكاسر وتدور، وتبتهج بذلك وتبتسم، فإذا مالت مالت القرون من الشعر معها، ومالت الذوائب معها، ومالت الوصائف معها، فإذا دارت درن معها، وإذا أقبلت أقبلن معها، خلقها الرحمن تبارك وتعالى خِلْقَةً إذا أقبلت فهي مُقبِلة، وإذا وَلَّتْ فهي مقبلة الوجه، لا تفارق وجهك، ولا تغيب عنك، وترى كل شيء منها.

وإذا جلستْ بعد مائة ألف لون من المشي، خرجتْ عجزتها من السرير، وتدلتْ قرونها وذوائبها، فتضطرب يا عبد الله، ولولا أن الله سبحانه وتعالى قضى أن لا موت فيها لَمُتَّ طربا، ولولا أن الله تبارك وتعالى قدَّرها لك، ما استطعتَ أن تنظر إليها، مخافة أن يذهب بصرك، فتقول لك: يا ولي الله، تمتَّع فلا موت فيها.

 

ضيافـة الله

 

وإذا سكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، هبط ربنا الجليل جل جلاله، بلا تكييف ولا تمثيل، يتعالى ربنا عن ذلك، إلى مرج أفيح، فمُدَّ بينه وبين خلقه حجابا من لؤلؤ، وحجابا من نور، ثم وُضِعَتْ منابر النور، وسرر النور، وكراسي النور، ثم أُذِن لرجل كريم على الله عز وجل، بين يديه أمثال من النور، يسمع دوي تسبيح الملائكة معه، وصفْقَ أجنحتهم، فمَدَّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أَذِن له الله عز وجل؟ فقيل: هذا المجبول بيده، والمعلَّم الأسماء، والذي أُمرتِ الملائكة فسجدتْ له، والذي أبيحتْ له الجنة، آدم (صلى الله عليه وسلم)، أَذن له الله عز وجل. ثم أُذِن لرجل آخر على الله عز وجل، بين يديه أمثال الجبال من النور، يسمع تسبيح الملائكة معه، وصفْق أجنحتهم، فمَدَّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي أَذن له الله عز وجل؟ فقيل: هذا الذي اتخذه الله خليلا، وجعل النار عليه بردا وسلاما، إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قد أَذِن له الله عز وجل. ثم أُذِن إلى رجل آخر على الله عز وجل، بين يديه أمثال الجبال من النور، يسمع تسبيح الملائكة معه، وصفْق أجنحتهم، فمَدَّ أهل الجنة أعناقهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذن له على الله عز وجل؟ فقيل: هذا الذي اصطفاه الله عز وجل برسالته، وقربه نجيا، وكلمه تكليما، موسى عليه الصلاة والسلام، قد أُذِن له على الله عز وجل. ثم أُذِن لرجل آخر، معه مثل جميع مواكب النبيين قبله، بين يديه أمثال الجبال من النور، ويسمع دوي تسبيح الملائكة، وصفْق أجنحتهم، فقيل: من هذا الذي قد أُذِن له على الله عز وجل؟ فقيل: هذا أول شافع وأول مشفَّع، وسيّد ولد آدم، من تنشق عنه الأرض، وصاحب لواء الحمد؛ أحمد (صلى الله عليه وسلم)، قد أُذِن له على الله عز وجل. فجلس النبيون على منابر النور، والصديقون على سرر النور، والشهداء على كراسي النور، وجلس سائر الناس على كثبان من المسك الأبيض الأذفر.

 

وفـــد الله

 

ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، يا ملائكتي، انهضوا إلى عبادي فأطعموهم، فقَرَّبتِ الملائكة إليهم لحم طير كأنها البخت، لا ريش معها ولا عظم، فأكلوا. ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا، اسقوهم يا ملائكتي، فنهض إليهم غلمان كأنهم اللؤلؤ المنثور، بأباريق الذهب، بأشربة مختلفة، تجد لذة آخرها كلذة أولها، (لا يصدعون عنها ولا ينزفون). ثم ناداهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا، فَكِّهوهم، فقُرِّبتْ إليهم أطباق مكللة بالياقوت، من الرطب الجني، الذي أسماه الله، أشد بياضا من اللبن، وأطيب من عذوبة الشهد، فطعموا وشربوا وفكهوا. ثم ناداهم الرب جل جلاله من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا، اكسوهم.

 

كرامـة الله لعبـــــاده

 

فَفُتحتْ لهم أشجار الجنة بحلل مصفوفة بنور الرحمن، فأُلبسوا. ثم ناداهم الرب من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا، طيبوهم، فهاجت عليهم ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة، بأنابيب المسك الأبيض الأذفر، فنضحت على وجوههم من غير غبار ولا قتار. ثم يناديهم الرب تبارك وتعالى من وراء الحجب: مرحبا بعبادي وزواري، وجيراني ووفدي، أكلوا وشربوا وفكهوا وكسوا وطيبوا، وعزتي وجلالي لأتجلين لهم حتى ينظروا إلي، فذلك منتهى العطايا، وفضل المزيد، فيتجلى الرب تبارك وتعالى، فيقول: السلام عليكم عبادي، انظروا إلي، فقد رضيت عنكم، فتداعت قصور الجنة وأشجارها واهتزت، تقول: سبحانك، أربع مرات، وخر القوم سجدا، فناداهم الرب عز وجل: ارفعوا رؤوسكم، فإنها ليست بدار عمل، ولا بدار نصب، وإنما هي دار جزاء ودار ثواب، وعزتي وجلالي، ما خلقتها إلا لأجلكم، وما من ساعة ذكرتموني فيها في دار الدنيا إلا ذكرتكم فوق عرشي.

فالمؤمنون أرواحهم في جوف طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، تَرِدُ أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، وقد وَجدوا طيب مأكلهم، ومشربهم، ومقيلهم، فينادي فيهم منادٍ: أن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وأن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا، وأن لكم أن تشبوا ولا تهرموا، وأن لكم أن تنعموا ولا تبأسوا، فذلك قوله عز وجل: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون).

 

ســوق الجنـــة

 

وأهل الجنة إذا دخلوا الجنة نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يُؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من لؤلؤ، ومنابر من ياقوت، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم، وما فيهم دني، على كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا، فيرون ربهم، لا يمارون في رؤيته، ولا يبقى في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة، حتى يقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان، أتذكر يوم قلتَ كذا وكذا؟ فيُذَكر ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه.

فبينما نحن على ذلك، تغشانا سحابة من فوقنا، فتمطر علينا طيبا، لم نجد مثل ريحه شيئا قط، ويقول ربنا تبارك وتعالى: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقا قد حفتْ به الملائكة، ما فيه بيع ولا شراء، إلا الصور من النساء والرجال، فإذا اشتهى أحدنا صورة دخل فيها، وفيه ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا.

وفيه مجمع للحور العين، يرفعن أصواتا لم نر ولم نسمع مثلها قط، يقلن: نحن الخالدات فلا نبيد، ونحن الراضيات فلا نسخط، ونحن الناعمات فلا نبؤس، فطوبى لمن كان لنا وكنا له. وفي ذلك السوق نلقى بعضنا بعضا، فيقبل الواحد منا ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه، وما فينا دني، فيروعه ما يرى عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتى يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها، ثم ننصرف إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحبا وأهلا، لقد جئتَ وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فنقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا.

 

 

 

تزاور أهـل الجنـــة

 

ونتزاور على المطايا والنجب، فنؤتى في الجنة بخيل مسرجة ملجمة، لا تروث ولا تبول، فنركبها حتى ننتهي حيث شاء الله عز وجل، فيأتينا مثل السحابة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فنقول: أمطري علينا، فما يزال المطر علينا حتى ينتهي ذلك فوق أمانينا، ثم يبعثُ الله ريحاً غير مؤذية، فتنسف كثباناً من مسك، عن أيماننا وعن شمائلنا، فنأخذ ذلك المسك في نواصي خيولنا وفي معارفها، وفي رؤوسنا، ولكل رجل منا جمة على ما اشتهت نفسه، فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام، وفي الخيل، وفيما سوى ذلك من الثياب، ثم نُقبِل حتى ننتهي إلى ما شاء الله، فإذا المرأة تناديك: يا عبد الله، أما لك فينا حاجة؟ فتقول: ما أنتِ، ومن أنتِ؟ فتقول: أنا زوجتك، وحبك، فتقول: ما كنتُ علمتُ بمكانك، فتقول آرأه: أَوَ ما تعلم أن الله تعالى قال: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون)، فتقول: بلى وربي، فلعلك تُشغَل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفاً، لا تلتفت ولا تعود، ولا يشغلك عنها إلا ما أنت فيه من النعيم والكرامة.

وإذا اشتقتَ يا عبد الله إلى أخيك المؤمن في الجنة، يسير سريرك إلى سريره، وسريره إلى سريرك، حتى تجتمعا جميعاً، فتتكئ أنت ويتكئ هو، فتقول لصاحبك: أتعلم متى غفر الله لنا؟ فيقول صاحبك: نعم، يوم كنا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فغفر لنا.

 

رؤيـة أهـل الجنــة لربهـم عـز وجـل

 

وبينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، وذلك قول الله: (سلام قولا من رب رحيم)، تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ربَّنا، وأي خير لم تفعله بنا؟ ألست أعنتنا على سكرات الموت، وآنستَ منا الوحشة في ظلمات القبور، وآمنتَ روعتنا عند النفخة في الصور، ألستَ أقلتَ عثراتنا، وسترتَ علينا القبيح من فعلنا، وثبَّتَ على جسر جهنم أقدامنا، ألستَ الذي أدنيتنا من جوارك، وأسمعتنا لذاذة منطقك، وتجليتَ لنا بنورك، فأي خير لم تفعله بنا! ألم تُبيِّض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار. فيكشف الحجاب، فينظر إليهم وينظرون إليه، فما أُعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ولا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم، قال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة).

وأهل الجنة إذا رأوا ربهم وأرادوا الانصراف، يُعطى كل رجل منهم رمانة خضراء، فيها سبعون حلة، لكل حلة سبعون لونا، ليس منهم حلة تشبه الأخرى، فإذا انصرفوا عن ربهم مروا في أسواق الجنة، ليس فيها بيع ولا شراء، وفيهما من الخلل والسندس والإستبرق، والحرير والرفرف والعبقري، من در وياقوت، وأكاليل معلقة، فيأخذون من تلك الأسواق من هذه الأصناف ما شاءوا، ولا ينقص من تلك الأسواق شيئا، وفيها صور كصور الناس، مِن أحسن ما يكون من الصور، مكتوب في نحر كل صورة منها: مَن تمنى أن يكون مثل صورتي جعل الله حسنه على صورتي، فمَن تمنى أن يكون حسن وجهه مثل حسن تلك الصورة، جعله الله على تلك الصورة، ثم ينصرفون إلى منازلهم.

وبينما هم في مجلس لهم إذ سطع لهم نور على باب الجنة، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم، فقال: يا أهل الجنة، سلوني، فقالوا: نسألك الرضا عنا، قال: رضائي أحلّكم داري، وأنالكم كرامتي، وهذا أوانها فسلوني، قالوا: نسألك الزيادة، فيُؤتَون بنجائب من ياقوت أحمر، أزمّتها من زمرد أخضر وياقوت أحمر، فيُحملون عليها، تضع حوافرها عند منتهى طرفيها، فيأمر الله عز وجل بأشجار عليها الثمار، فتجيءُ حوار من الحور العين، وهُن يقلن: نحن الناعمات فلا نبأس، ونحن الخالدات فلا نموت،أزواج قوم مؤمنين كرام.

ويأمر الله عز وجل من مسك أبيض أذفر، فينثر عليهم ريحاً يقال لها المثيرة، حتى تنتهي بهم إلى جنة عدن، فتقول الملائكة: يا ربنا، قد جاء القوم، فيقول: مرحباً بالصادقين، مرحباً بالطائعين، فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إلى الله تبارك وتعالى، فيتمتعون بنور الرحمن، حتى لا ينظر بعضهم بعضاً، ثم يقول: أرجعوهم إلى القصور بالتحف، فيرجعون وقد أبصر بعضهم بعضاً، فذلك قوله: (نزلاً من غفور رحيم).

وإن ربك عز وجل اتخذ في الجنة وادياً أفيح من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، وجاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حف المنابر بكراسي من ذهب، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب، فيتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه، وهو يقول: أنا الذي صدقتُكم وعدي، وأتممتُ عليكم نعمتي، هذا محل كرامتي، فسلوني، فيسألونه الرضا، فيقول الله عز وجل: رضائي أحلكم داري، وأنالكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة، وهو من الجمعة إلى الجمعة، ثم يصعد الرب تبارك وتعالى على كرسيه، فيصعد معه الشهداء والصديقون، ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم، درة بيضاء، لا فصم فيها ولا وصم، أو ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، منها غرفها وأبوابها، مطردة فيها أنهارها، متدلية فيها ثمارها، فيها أزواجها وخدمها، فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة، ليزدادوا فيه نظراً إلى وجهه تبارك وتعالى، ولذلك دُعي يوم المزيد.

وإذا كان يوم الجمعة في الحين الذي يخرج فيه أهل الجمعة إلى جمعتهم، نادى منادٍ: يا أهل الجنة اخرجوا إلى دار المزيد، لا يعلم سعتها وعرضها وطولها إلا الله عز وجل، فيخرجون في كثبان من المسك، وإنه أشد بياضاً من الدقيق، فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور، ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت، فإذا وُضعت لهم، وأخذ القوم مجالسهم، بعث الله تبارك وتعالى عليهم ريحاً تُدعى المثيرة، تُثير عليهم أثابير المسك الأبيض، فتُدخله من تحت ثيابهم، وتُخرجه في وجوههم وأشعارهم، فتلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم، ولو دُفع إليها كل طيب على وجه الأرض، ثم يوحي الله سبحانه إلى حملة العرش، فيوضع بين ظهراني الجنة، وبينه وبينهم الحجب؛ فيكون أول ما يسمعون منه أن يقول: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني، وصدقوا رسلي واتبعوا أمري؟ فسلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: رب رضينا عنك فارض عنا، فيرجع الله تعالى في قولهم: يا أهل الجنة، إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتُكم جنتي، فسلوني، فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة: رب وجهك أرنا ننظر إليه، فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره شيء، لولا أنه قضى عليهم أن لا يحترقوا لاحترقوا مما غشيهم من نوره، ثم يُقال لهم: ارجعوا إلى منازلكم، فيَرجعون إلى منازلهم وقد خَفُوا على أزواجهم وخفين عليهم، مما غشيهم من نوره تبارك وتعالى، فإذا صاروا إلى منازلهم ترادّ النور، وأمسكن حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها، فتقول لهم أزواجهم: لقد خرجتم من عندنا على صورة، ورجعتم على غيرها، فيقولون: ذلك بأن الله تبارك وتعالى تجلى لنا فنظرنا منه إلى ما خفينا به عليكم، فلهم في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا، وذلك قوله عز وجل: (فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين، جزاءً بما كانوا يعملون).

 

نــوق الجنــة

 

وبينما هم يتحدثون في ظل طوبى، إذ يأتيهم الملائكة بنوق مزمومة بسلاسل الذهب، كأن وجوهها المصابيح من حسنها، ذلك من غير تهيئة، نجب من غير رباية، عليها رحائل الذهب، وكسوتها سندس وإستبرق، حتى تُرفع إليهم، ثم يُسلموا عليهم، فيقولون: إن ربكم بعث إليكم بهذه الرواحل لتركبوها فتزوروه وتُسلموا عليه، فيتحول كل واحد منهم على راحلته، ثم يسيرون بها صفا واحدا في الجنة، الرجل منهم إلى جنب صاحبه، لا يجاوز أذن ناقة منها أذن صاحبتها، ولا ركبة ناقة منها ركبة صاحبتها، وإنهم ليمرون بالشجرة من شجر الجنة، فتتأخر من مكانها، فإذا وقفوا بين يدي الرحمن تبارك وتعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم، وتجلى لهم، فيُسَلَّمون عليه، ويُرحب بهم، وسلامهم عليه أن يقولوا (ربنا أنت السلام، ومن عندك السلام، ولك حق الجلال والإكرام)، فيقول لهم الجليل جل جلاله: وعليكم سلام مني، وعليكم رحمتي وكرامتي، مرحبا وأهلا بعبادي، الذين أطاعوني بالغيب، وحفظوا وصيتي، فيقولون: لا، وعزتِك ما قدرناك حق قدرك، وما أدينا إليك كل حقك، ائذن لنا أن نسجد لك، فيقول: إني قد رفعت عنكم مؤنة العبادة، وأفضيتم إلى كرامتي.

والذي نفسي بيده، إنهم إذا خرجوا من قبورهم استُقْبِلوا بنوق بيض لها أجنحة، عليها رحال الذهب، شرك نعالهم نور يتلألأ، كل خطوة منها مثل مد البصر، فينتهون إلى باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب، وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان، فإذا شربوا من أحدهما جرت في وجوههم بنضرة النعيم، وإذا توضأوا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبداً، فيضربون الحلقة بالصفيحة، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتستخفها العجلة، فتبعث قَيِّمَها فيفتح له الباب، فلولا أن الله عز وجل عرّفه نفسه لخرّ له ساجداً، مما يرى من النور والبهاء، فيقول: أنا قَيِّمُك الذي وُكِّلْتُ بأمرك، فيتبعه، ويقفو أثره، فيأتي زوجته، فتستخفها العجلة، فتخرج من الخيمة، فتعانقه، وتقول: {أنت حبي وأنا حبك، وأنا الراضية فلا أسخط أبداً، وأنا الناعمة فلا أبأس أبداً، وأنا الخالدة فلا أظعن أبداً}، فيدخل بيتاً من أساسه، وطرائق صفر، ما منها طريقة تشاكل صاحبتها، فيأتي الأريكة، فإذا عليها سرير، على السرير سبعون فراشاً، على كل فراش سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، يرى مخ ساقها من باطن الحلل، يفضي جماعهن في مقدار ليلة، تجري من تحتهم أنهار مطردة، وأنهار من ماء غير آسن، صاف ليس فيه كدر، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم تعصره الرجال بأقدامها، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من بطون الماشية. فإذا اشتهوا الطعام جاءتهم طير بيض، فترفع أجنحتها، فيأكلون من جنوبها من أي الثمار شاءوا، إن شاء قائماً، وإن شاء متكئاً، وذلك قوله: (وجنى الجنتين دان)، وبين أيديهم خد كاللؤلؤ.

 

خيـــل أُخَـــــر

 

ومن يدخل الجنة يُؤتى بفرس من ياقوتة حمراء، لها جناحان، لا تبول ولا تروث، يَقعد عليها، ثم يَطير بها في الجنة حيث شاء، فيتجلى لهم الجبار، فإذا رأوه خروا له سجدا، فيقول لهم: ارفعوا رؤوسكم، فإن هذا ليس يوم عمل، إنما هو يوم نعيم وكرامة، فيرفعون رؤوسهم، فيمطر عليهم طيبا، فيمرون بكثبان المسك، فيبعث الله على تلك الكثبان ريحا فتهيجها عليهم، حتى إنهم ليرجعون إلى أهليهم وإنهم لشعث غبر.

وإنهم ليؤتون في الجنة بخيل مسرجة ملجمة، لا تروث ولا تبول، فيركبونها حتى ينتهوا حيث شاء الله عز وجل، فيأتيهم مثل السحابة، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، فيقولون: أمطري علينا، فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم، ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية، فتنسف كثائب من مسك، عن أيمانهم وعن شمائلهم، فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم، وفي مفارقهم، وفي رؤوسهم، ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه، فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام، وفي الخيل، وفيما سوى ذلك من الثياب، ثم يُقبلون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله تعالى، فإذا المرأة تنادي بعض أولئك: يا عبد الله، أما لك فينا حاجة؟ فيقول: ما أنتِ؟ ومن أنتِ؟ فتقول: أنا زوجتك وحبك، فيقول: ما كنتُ علمتُ بمكانك، فتقول: أوما علمتَ أن الله قال: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون)، فيقول: بلى وربي، فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الموقف أربعين خريفا، لا يلتفت، ولا يعود ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم والكرامة.

ويُؤتى بخيل وإبل هفافة، زمام أحدها خير من الدنيا وما فيها، تُزف من خلال وَرَقِ الجنة، يتزاورون عليها حيث شاءوا. فإن يُدخلك الله الجنة يا عبد الله، يكن لك فيها ما اشتهتْ نفسك، ولذتْ عينك.

 

أعلى أهـل الجنـة منزلـة

 

وأهل الجنة ليسوا سواء، بل هم في منازل مختلفة، أما أكرمهم على الله وأفضلهم منزلة، فهو من ينظر إلى وجهه الكريم كل يوم مرتين: غدوة وعشية، قال تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة)، وأعلاهم منزلة أولئك الذين أراد الله، غرس كرامتهم بيده، وختم عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر، ومصداقه في كتاب الله عز وجل: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).

وإن لأعلاهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت. فالله جل ذكره خلق داراً، وجعل فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة، ثم أطبقها، فلم يرها أحد من خلقه، لا جبريل ولا غيره من الملائكة، (فلا تعلم نفسُ ما أخفى لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون)، وخلق دون ذلك جنتين، وزينهما بما شاء، وأراهما من شاء من خلقه، فمن كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد، حتى إن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه، فلا تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون بريحه، فيقولون: واهاً لهذا الريح، هذا ريح رجل من أهل عليين، قد خرج يسير في ملكه.

 

أدنى أهـل الجنـة منزلـة

 

وأما أدنى أهل الجنة منزلة، رجل يجيء بعد ما أُدخل أهل الجنة الجنة، فيُقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب، كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم! فيُقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلكِ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك، ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيتُ رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك، فيقول: رضيتُ رب، فينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة.

وإن أدناهم قوم يكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يرحمهم الله، فيُخرجهم منها، فيكونون في أدنى الجنة، فيغتسلون في نهر يقال له الحيوان، يسميهم أهل الجنة الجهنميون، لو ضاف أحدهم أهل الدنيا لفرشهم، وأطعمهم، وسقاهم، ولحفهم، وزوجهم، دون أن ينقصه ذلك شيئا.

وإن أدنى أهل الجنة منزلة، من له سبع درجات، وهو على السادسة، وفوقه السابعة، وإن له لثلاث مائة خادم، ويُغدى عليه ويُراح كل يوم ثلاث مائة صحفة من ذهب، في كل صحفة لون ليس في الأخرى، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره، وإنه ليقول: يا رب، لو أذنتَ لي لأطعمتُ أهل الجنة وسقيتهم، دون أن ينقص مما عندي شيء. وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة، سوى أزواجه من الدنيا، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض.

وإن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم، واثنتان وسبعون زوجة، وتُنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت، كما بين الجابية إلى صنعاء. وإنه لينظر في ملكه ألفي سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، ينظر في أزواجه وخدمه.

أما آخر من يدخل الجنة، فرجل يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منكِ، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين. فتُرفع له شجرة، فيقول: أي رب، أدنني من هذه الشجرة؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم، لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من هذه؛ لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها، فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، هي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب، أدنني من هذه؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول الرجل: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليها، فيدنيه منها. فإذا أدناه منها، يسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب، أدخلني الجنة، فيقول له الله عز وجل: سل وتمن، ويلقنه الله ما لا علم له به، فيَسأل ويَتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا، فيقول الله: يا ابن آدم، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: يا رب، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين! فيضحك الله تبارك وتعالى، ثم يقول له: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر، يا ابن آدم، لك ما سألت، وعشرة أمثاله معه.

فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين العباد، يفقد المؤمنون رجالا كانوا معهم في الدنيا، يصلون بصلاتهم، ويزكون بزكاتهم، ويصومون صيامهم، ويحجون حجهم، ويغزون غزوهم، فيقولون: أي ربنا، عباد من عبادك، كانوا معنا في الدنيا، يصلون صلاتنا، ويزكون زكاتنا، ويصومون صيامنا، ويحجون حجنا، ويغزون غزونا، لا نراهم! فيقول: اذهبوا إلى النار، فمن وجدتم فيها منهم فأخرجوه، فيجدونهم قد أخذَتهم النار على قدْر أعمالهم، فمنهم من أخذته إلى قدميه، ومنهم من أخذته إلى نصف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى ركبتيه، ومنهم من أزرته، ومنهم من أخذته إلى ثدييه، ومنهم من أخذته إلى عنقه، ولم تغش الوجوه، فيَستخرجونهم منها، فيُطرحون في ماء الحياة، وهو غسل أهل الجنة، فينبتون كما تنبت الزرعة في غثاء السيل. ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا، فيُخرجونهم منها، ثم يتحنن الله برحمته على من فيها، فما يترك فيها عبدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها.

وتُدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فنقول: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فنقول: حتى ننظر إليك، فيتجلى لنا يضحك، فينطلق بنا، ونتبعه، ويُعطى كل إنسان منا (منافق أو مؤمن) نورا، ثم نتبعه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يُطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة، ويشفعون، حتى يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيُجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يَسأل حتى تُجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

وعندما يجمع الله عز وجل الأوّلين والآخرين لميقات يوم معلوم، قياماً أربعين سنة، شاخصة أبصارهم، ينتظرون فصل القضاء، يقول الرب تبارك وتعالى: ارفعوا رؤوسكم، فيرفعون رؤوسهم، فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يُعطى نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يُعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يُعطى أصغر من ذلك، حتى يكون آخرهم رجلاً يعطى نوره على إبهام قدميه، يضيء مرةً ويُطفأ مرة، فإذا أضاء قدّم قدمه، وإذا أُطفئ قام، فيمرون على قدر نورهم، منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرجل، حتى يمر الذي يُعطى نوره على ظهر قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه، تُمد يدٌ وتعلق يد، وتخر رجلٌ وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتى يخلص، فإذا خلص وقف عليها فقال: الحمد لله الذي أعطاني ما لم يعط أحداً، إذ نجاني منها بعد إذ رأيتُها، فيُنطلق به إلى غدير عند باب الجنة، فيغتسل، فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيرى ما في الجنة من خلل الباب، فيقول: رب أدخلني الجنة، فيقول له: أتسأل الجنة وقد نجيتُك من النار؟ فيقول: رب اجعل بيني وبينها حجاباً لا أسمع حسيسها، فيدخل الجنة، ويُرفع له منزل أمام ذلك، كأن ما هو فيه إليه حلم، فيقول: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول له: لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول: لا، وعزتِك لا أسألك غيره، وأي منزل أحسن منه؟ فيُعطاه، فينزله. ويرى أمام ذلك منزلاً كأن ما هو فيه إليه حلم، فيقول: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالى له: فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول: لا، وعزتِك يا رب، وأي منزل أحسن منه؟ فيُعطاه، فينزله، ثم يسكت. فيقول الله جل ذكره: ما لك لا تسأل؟ فيقول: رب قد سألتُك حتى استحييتُك، وأقسمتُ حتى استحييتُك، فيقول الله جل ذكره: ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله، ويقول: لا، ولكني على ذلك قادر، سل، فيقول: ألحقني بالناس، فيقول: الحق بالناس، فينطلق يرمل في الجنة، حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة، فيخر ساجداً، فيُقال له: ارفع رأسك، ما لك؟ فيقول: رأيتُ ربي، أو تراءى لي ربي، فيُقال: إنما هو منزل من منازلك. ثم يَلقى رجلاً فيتهيأ للسجود له، فيُقال له: مه، فيقول: رأيت أنك ملَك من الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن من خزانك، وعبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على ما أنا عليه، فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر، وهو من درة مجوفة، سقائفها وأبوابها، وأغلاقها ومفاتيحها، منها تستقبله جوهرة خضراء، مبطنة بحمراء، فيها سبعون باباً، كل باب يفضي إلى جوهرة خضراء مبطنة، كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عليها سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته، وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضةً ازدادت في عينه سبعين ضعفا، فيُقال له: أشرِف، فيُشْرِف، فيُقال له: ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك.

وإن أسفل أهل الجنة درجة، رجل يدخل من باب الجنة، فيتلقاه غلمانه، فيقولون: مرحباً بسيدنا، قد آن لك أن تزورنا، فتُمد له الزرابي أربعين سنة، ثم ينظر عن يمينه وشماله، فيرى الجنان، فيقول: لمن ما ها هنا؟ فيقال: لك، حتى إذا انتهى رُفعت له ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، لها سبعون شِعباً، في كل شِعْبٍ سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً، فيُقال: اقرأ وارق، فيرقى حتى إذا انتهى إلى سرير ملكه اتكأ عليه، سعته ميلُ في ميل، له فيه قصور، فيُسعى إليه بسبعين صحفةً من ذهب، ليس فيها صحفة فيها من لون أختها، يجد لذة آخرها كما يجد لذة أولها، ثم يُسعى إليه بألوان الأشربة، فيشرب منها ما اشتهى، ثم يقول الغلمان: اتركوه وأزواجه، فينطلق الغلمان، ثم ينظر، فإذا حوراء من الحور العين جالسة على سرير ملكها، عليها سبعون حلة، ليس منها حلة من لون صاحبتها، فيرى مخ ساقها من وراء اللحم والدم والعظم، والكسوة فوق ذلك، فينظر إليها، فيقول: من أنتِ؟ فتقول: أنا من الحور العين اللاتي خبئن لك، فينظر إليها أربعين سنة، لا يصرف بصره عنها، ثم يرفع بصره إلى الغرفة، فإذا أخرى أجمل منها، فتقول: أما آن لك أن يكون لنا منك نصيب؟ فيرقى إليها أربعين سنة، لا يصرف بصره عنها. ثم إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ، وظنوا أن لا نعيم أفضل منه، تجلى لهم الرب تبارك اسمه، فينظرون إلى وجهه الكريم، فيقول لهم: يا أهل الجنة، هللوني، فيتجاوبون بتهليل الرحمن، ثم يقول: يا داود، قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا، فيمجد داود ربه عز وجل، بصوت لم تسمع الخلائق مثله.

 

أمانـي أهـل الجنـة

 

ويقول الله عز وجل: وبلَغ الوعد الذي وَعدتُ لكم، فتمنوا، فإن لكل إنسان منكم ما تمنى، فيتمنون، فيُعطي كل واحد منهم ما تمنى، ثم يزيدهم تبارك وتعالى من فضله وكرمه ما لم تبلغ إليه أمانيهم.

وإن من أهل الجنة من يستأذن ربه في الزرع، فيقول له الله عز وجل: ألستَ فيما شئت؟ فيقول: بلى، ولكني أحب أن أزرع، فيبذر، فيبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فيكون أمثال الجبال، فيقول الله عز وجل: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يُشبعك شيء.

وإذا أراد المؤمن الولد في الجنة، كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي.

 

 

 

 

دعـــــــــاء

 

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَمِنْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ، اللَّهُمَّ مَا قُلْتُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ نَذَرْتُ مِنْ نَذْرٍ أَوْ حَلَفْتُ مِنْ حَلِفٍ فَمَشِيئَتُكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَا شِئْتَ كَانَ، وَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ وَمَا صَلَّيْتُ مِنْ صَلاةٍ فَعَلَى مَنْ صَلَّيْتَ، وَمَا لَعَنْتُ مِنْ لَعْنَةٍ فَعَلَى مَنْ لَعَنْتَ، إِنَّكَ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، وَلَذَّةَ نَظَرٍ إِلَى وَجْهِكَ، وَشَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَعْتَدِيَ أَوْ يُعْتَدَى عَلَيَّ، أَوْ أَكْتَسِبَ خَطِيئَةً مُحْبِطَةً، أَوْ ذَنْبًا لا يُغْفَرُ، اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ، فَإِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَأُشْهِدُكَ -وَكَفَى بِكَ شَهِيدًا- أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ، وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنْتَ تَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تَكِلْنِي إِلَى ضَيْعَةٍ وَعَوْرَةٍ وَذَنْبٍ وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لا أَثِقُ إِلا بِرَحْمَتِكَ فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.

اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي، أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَمِنْ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ.

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.

اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنَ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنَ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ تَقْضِيهِ لِي خَيْرًا.

اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تَنْقُصْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلَا تُهِنَّا، وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَآثِرْنَا وَلَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضِنَا. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ جَنَّةِ الْخُلْدِ.

وصلِّ اللهمَّ على محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلِّمْ، عددَ خلقِك

ورضى نفسِك، وزنةَ عرشِك، ومدادَ كلماتِك. اللهم آمين،

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخـاتمــــة

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صفيه من خلقه وخليله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقد رشـد، ومن يعصهما فقـد غوى ، نسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويتبع رضوانه، ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله.

وبعد:

الحمد لله الذي وفقني في خط كلمات هذا الكتاب القيم، الذي أسأل الله تعالى أن يكتب له النجاح ما بقيت الدنيا، وأن يجعله في كل بيت على وجه الأرض، ليكون سببا لمن اهتدى، فنفيد به ونستفيد منه، في حياتنا ومماتنا، إنه على كل شيء قدير.

لقد بذلتُ جهدا كبيرا في إعداد هذا الكتاب رغم بساطته، حيث رجعتُ إلى أكثر من عشرين مرجعا، تفحصتها جميعا كلمة كلمة، مستخلصا المناسب منها لأجعله جزءا من الكتاب، وكان أبرز ما رجعت إليه هي كتب الأحاديث التسعة، التي ما قرأتُ فيها حديثا عن الجنة إلا وجعلته كله أو أكثره فقرة من الكتاب. وكذلك كتاب أبي الفرج بن الجوزي (بستان الواعظين ورياض السامعين)، الذي أُعجبتُ به كثيرا، فأخذتُ عنه أكثر من غيره.

لذلك فإني أُلْفِتُ نظر القراء الكرام إلى أن طريقة تقسيم هذا الكتاب كانت حسب مواضع النعيم في الجنة، كما هو مبين في الفهرس. أما طريقة صياغته وكتابته فكانت على شكل قصة رجل أو رجال دخلوا الجنة، فرأوا ما فيها بالتدريج، وتمتعوا بكل ذلك النعيم، مرة أصيغها بضمير المخاطَب، ومرة أخرى بضمير الغائب، حسب الحاجة، والهدف من كل ذلك زيادة عنصر التشويق لدى القارئ، وليعلم أنه هو المقصود لا غيره، إذا عمل ما يرضي ربه.

أما لماذا لم أذكر الأحاديث بنصها، ولِمَ لَمْ أضع قبلها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فذلك حتى أستطيع دمج أجزاء الأحاديث ذات الموضوع الواحد مع بعضها، بشرط أن لا يختل معنى الحديث. وأما لماذا أستأنف الكلام بحرف الواو أحيانا، وبحرف الفاء أو بـ(ثُم) أحيانا أخرى، فذلك لشدة حرصي على نقل المعنى المتسلسل كما هو في المراجع، دون تغيير أو تبديل. فهناك فرق كبير بين أن أستأنف الكلام بالواو أو أستأنفه بالفاء أو بثم؛ وذلك لأن الواو لا تفيد الترتيب، فالمذكور بعد الواو ليس شرطا أن يحصل بعد الذي ذُكر قبلها، بعكس الفاء وثم اللتان تفيدان الترتيب والتعقيب، فما ذُكر بعدهما يحصل بعد الذي ذُكر قبلهما بشكل قاطع لا يقبل الشك أو التأويل.

وكم كنتُ حريصا ودقيقا في تطبيق كل قواعد الصدق والأمانة والإخلاص أثناء إعدادي لهذا العمل المتواضع، حتى يجعله الله عز وجل في ميزان حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. فلا تنسونا من صالح دعائكم.

 

الفقير إلى الله

زهير حسن حميدات

صوريف – الخليل – فلسطين

الجمعة : 13 / جمادى الآخرة / 1422 هـ

الموافق : 31 / 8 / 2001 م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجــــع

 

القرآن الكريم .

تفسير القرآن العظيم، الحافظ ابن كثير الدمشقي، تحقيق حسين بن إبراهيم زهران، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.

الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله القرطبي، دار الفكر،  بيروت – لبنان.

تفسير الجلالين.

صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1401هـ.

صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج القشري النيسابوري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1403هـ.

أوجز المسالك إلى موطأ مالك، محمد بن زكريا الكاندلهوي، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1400هـ.

سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت – لبنان.

سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، تعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت – لبنان.

سنن النسائي، جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1348هـ، ط1.

مسند الإمام أحمد، أحمد بن محمد بن حنبل، دار المعارف، مصر، 1980م.

سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.

سنن الدارمي، أبو محمد الدارمي، دار الكتاب العربي، 1987م.

الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تعليق مصطفى محمد عمارة، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1408هـ.

بستان الواعظين ورياض السامعين، أبو الفرج بن الجوزي، تحقيق مجدي محمد الشهاوي، مكتبة الإيمان بالمنصورة، مصر.

صفة الجنة، ابن كثير، تحقيق أيمن بن عارف الدمشقي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط1.

نعيم الجنة في القرآن والسنة، عبد اللطيف عاشور، مكتبة القرآن، القاهرة، ط1.

الجنة نعيمها والطريق إليها، علي حسن علي عبد الحميد، دار ابن حزم، بيروت، ط8.

نساء أهل الجنة، د.مصطفى مراد، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1.

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ابن القيم الجوزية، المكتبة العصرية، بيروت – لبنان، 1420هـ. 

الفهرس 

الإهداء

 

مقدمة

 

تمهيد

 

آيات في الجنة

 

أبواب الجنة

 

أول من يدخل الجنة

 

عدد الجنات وأسماؤها

 

صفة أهل الجنة

 

درجات أهل الجنة

 

الشهداء

 

غرف الجنة

 

خيام الجنة

 

أنهار الجنة

 

نهر الكوثر

 

شجر الجنة وثمارها

 

شجرة طوبى

 

سدرة المنتهى

 

صفة الجنة

 

رواحل الجنة

 

إكرام الله تعالى

 

خيول الجنة

 

مصافحة الملائكة

 

دار السلام


جنة عدن


جنة الخلد


جنة الفردوس


طعام وشراب أهل الجنة


لباس أهل الجنة


مساكن وقصور أهل الجنة


طيور الجنة


الحور العين


أصناف الحور العين


أول لقاء بالحوراء

 

صفة الحور العين

 

غناء الحور العين

 

دلال الحور العين

 

جماع الحور العين

 

سرر الجنة

 

أرائك الجنة

 

نساء الدنيا

 

تبادل الحب

 

ضفائر الجمال

 

وصائف الجنة

 

ضيافة الله

 

وفد الله

 

كرامة الله لعباده

 

سوق الجنة

 

تزاور أهل الجنة

 

رؤية أهل الجنة لربهم عز وجل

 

نوق الجنة

 

خيل أُخَر

 

أعلى أهل الجنة منزلة

 

أدنى أهل الجنة منزلة

 

أماني أهل الجنة

 

دعاء

 

الخاتمة

 

المراجع

 

الفهرس

 

 

 

ما هو معني عبادة الله وما علاقتها بالشراك بالله؟

  *** يلاحظ في التعريفات الاتية ان اشتقاق ال {ع ب د}يُجَدِّر معني أطاع والطاعة وتضم معني الخضوع للمطاع أمرا ونهيا ومن أمثلة أن العبادة...